بحسب أهل المحاسبة، فإن ما يكون من توقع لزمن في المستقبل يطلق عليه «موازنة»، في حين يطلق على ما انتهى فعلياً في الزمن الماضي أو الحاضر «ميزانية»، وهذه القاعدة ليست ملزمة، فيمكن استخدام أي من المصطلحين بدلاً من الآخر، وهو الحاصل فعلاً، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقول أهل اللغة.
عموماً، صدور موازنة العام الجديد يمكن التعليق عليها في نقاط كالآتي:
أولاً: أن ما صدر أول من أمس هو موازنة 1435- 1436هـ أو موازنة 2014، فالمعروف أن موازنة المملكة تحسب وتعلن وتنفق بناءً على التقويم الميلادي.
كما صدر بالتزامن تقرير وزارة المالية عما تحقق فعلياً بعد إقفال ميزانية 2013 «ونقول ميزانية لأنها شيء تاريخي تحقق فعلياً، بحسب القاعدة التي بدأنا بها السطور».
ثانياً: في ما يخص موازنة 2014، تضمنت توقعاً بإيرادات العام المقبل، وقدرته عند 855 بليون ريال، وهذا رقم في علم الغيب، قد يتحقق نفسه أو أعلى أو أقل منه، وليس لنا إلا أن ننتظر لنهاية العام لنعرف رقم الإيراد الفعلي المتحقق، أيضاً توقع هذا الرقم من الإيرادات عادة ما يبنى على تقديرات متحفظة لأسعار النفط، وتعودنا خلال الـ11 عاماً الماضية (2003-2013) على تحقيق عوائد فعلية أكبر من المتوقع.
ثالثاً: قررت موازنة 2014، مصروفات لجهات الحكومة وخدماتها بمقدار 855 بليون ريال، وهذا يعني أن لكل جهة التصرف في حدود هذا المقرر، ولا تزيد عليه، إلا أنه جرت العادة خلال الأعوام الماضية أن تكون المصروفات إجمالاً أعلى من المقرر في الموازنة، وعلى سبيل المثال كان المقرر من مصروفات لعام 2013 هو 820 بليوناً، إلا أن الصرف الفعلي بلغ 925 بليون ريال.
إذاً موازنة 2014 هي أرقام استرشادية، تلتزم بها الجهات الحكومية بما قرر لها من مصروفات، ولا تعني أكثر من ذلك. فالإيراد في علم الغيب، والمصروفات تكون عادة أكثر من المقرر لظهور أشياء غير مخطط لها خلال العام تستوجب زيادة الصرف.
رابعاً: عن موازنة 2013 المنتهية فعلياً، بلغت الإيرادات 1.1 تريليون ريال، وهي السنة الرابعة التي تزيد فيها العوائد على التريليون خلال الفترة (2003-2013)، إذ تجاوزت عوائد 2008 حاجز التريليون للمرة الأولى في تاريخ السعودية، كما حققت موازنتا 2011 و2012 عوائد فاقت التريليون لكل منهما.
خامساً: بمقارنة الإيرادات المتحققة فعلياً في 2013، مع المتوقع لها في بداية العام، نجد أنها فاقت كثيراً المتوقع بنسبة 36 في المئة، إذ بلغت العوائد فعلياً 1131 بليوناً، وكان المتوقع 829 بليون ريال فقط، وهذا يدعم ما قلناه سابقاً عن توقع الإيرادات المستقبلية للموازنة بناء على طريقة متحفظة لحساب العائد من النفط، الذي هو عمدة العوائد وركيزتها الرئيسة.
سادساً: للعام العاشر خلال فترة 11 عاماً (2003-2013) تحقق الموازنة السعودية فوائض كبيرة، إذ لم يخفق سوى عام 2009 خلال المدة، في حين كان فائض 2008 هو الأعلى والأضخم برقم كبير بلغ 590 بليون ريال.
سابعاً: زاد رقم الفائض المتراكم خلال الفترة (2003-2013)، بما أعلن من فائض في موازنة 2013، وقدره 206 بلايين ريال. وبذلك يكون مجموع الفوائض 2.352 تريليون ريال، وهو مبلغ كبير يوازي موازنة الدولة لثلاثة أعوام تقريباً.
ثامناً: انخفض الدين العام من حوالى 99 إلى 75.1 بليون ريال، وانخفضت نسبته مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 3 في المئة، ولا شك في أن صغر وتلاشي رقم الدين العام هو أبرز الأرقام التي تدل على حيوية الاقتصاد وصحته، فالمكبل بالدين لا ينتج شيئاً أمام ضغط الديون وفوائدها.
تاسعاً: أشار تقرير وزارة المالية إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي بالأرقام الثابتة، إذ بلغ النمو لعام 2013 نسبة 3.8 في المئة مقارنة بنسبة 5.81 في المئة لعام 2012، وهو ما لم يعلق عليه تقرير الوزارة ولم يوضح له سبباً.
عاشراً وأخيراً، أظهر الرقم القياسي لتكاليف المعيشة ارتفاعاً خلال العام 2013 نسبته 3.35 في المئة عما كان عليه في 2012، وهي نسبة مقبولة نوعاً ما، حتى وإن كانت تفوق الرقم الطبيعي للتضخم، وهو أن يكون في حدود 1 إلى 3 في المئة.
نقلا عن جريدة الحياة