المناقشة الحالية بمجلس الشورى لنظام الهيئة العامة للأوقاف قد تكون فرصة مناسبة لإعادة تنظيم هذا القطاع بشكل كامل وفصله كليا عن الدولة واعتباره قطاعا ثالثا بجانب القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص نظرا لخصوصية موارده ومصروفاته ودوره المُغيب في المجالات المعيشية والتنموية لمجتمعنا باستثمار رغبة الواقفين في تقديم خدمات يحتاجها أفراد المجتمع.
فمناقشة مواد النظام كشفت عن رغبه ملحة بانتشال الأوقاف من وضعها الحالي والرفع من مستوى إدارتها ولكنها في حقيقة الأمر لم تخرج إدارة الأوقاف ومرجعيتها عن الدولة عند طلب ربطها بوزير الشئون الإسلامية والأوقاف أو برئيس مجلس الوزراء وهو ما لن يغير فعليا من الوضع الحالي لها باستمرار الإدارة الحكومية لهذا القطاع الخيري، والغريب انه بالوقت الذي نريد تخصيص بعض الاعمال الحكومية وإسنادها للقطاع الخاص لكفاءة الإدارة نجد أن مسئولينا وبعض أعضاء المجلس يطالب بإسناد إدارة الأوقاف وهي مستقلة تماما عن جهاتنا للإدارة والفكر الحكومي، بل ان البعض يبرر ذلك لفرض رقابة الدولة عليها لمنع التلاعب بها متجاهلاً التجاوزات والفساد الذي نعاني منه بأموال الدولة، كما أن المطالبة بربط الأوقاف بمؤسسة النقد لإدارة الأموال واستثمارها لم يستند على حقائق ملموسة بكفاءة الاستثمار وفي مجالات متوافقة مع رغبة معظم الواقفين بمجتمعنا المسلم وبعيدا عن سندات الخزانة والودائع، والغريب أنه وفقاً لمشروع التنظيم ستحصل الهيئة المقترحة على نسبة عالية من الوقف (15%) مقابل الإدارة وهو ما لن يدعم توجه الواقفين لتسليم أوقافهم لجهات حكومية أو شبه حكومية، إضافة إلى أن الواقف يهمه التوازن بين استثمار الوقف واستمرار الصرف منه بالقدر الذي يحقق الهدف من الوقف، وقد اتضح للواقفين من الخبرات السابقة بالدول التي تشرف على الأوقاف أن التركيز يتم على رفع قيمة الوقف باستثمار معظم عوائده على حساب المبالغ الموجهة للصرف لرفع النسبة التي تحصل عليها الجهة المكلفة بإدارة الوقف.
فالأوقاف في أي مجتمع تمثل مصدراً مهماً وداعما للتنمية، وهناك نماذج ناجحة لأوقاف بدول إسلامية وأجنبية مازالت تحقق أهداف الوقف لكفاءة الإدارة والاستثمار، وإذا استثنينا حالات محدودة ناجحة لبعض الأوقاف لدينا لاعتمادها على حرص رجال الأعمال وفاعلي الخير عبر تخصيص كيان مستقل استقطب له كفاءات لإدارته، فان معظم الأوقاف بمجتمعنا مجهولة ومهملة ولايستفاد منها لعدم وجود مصلحة للورثة في إدارته مع أنها تمثل ثروة كبيرة تدار بفكر فردي وينتهي الاهتمام به عبر الأجيال! وكحقيقة ملموسة فان الواقفين يتجنبون تسليم أوقافهم لإدارات الأوقاف الحكومية لعدم توفر القناعة بقدرة تلك الإدارات على إدارة واستثمار أوقافهم وقد تكون لبعض التجارب الفاشلة والتجاوزات في إدارة أوقاف او جمعيات خيرية دور في انتشار ذلك المفهوم، ولذلك نجد الكثير من الأغنياء والمقتدرين يخصص الصرف من الوقف لأوجه سهلة على المكلف بمتابعة الوقف حتى وان لم يكن ذا فائدة لأكبر شريحة بالمجتمع وهو ما يفقدنا إمكانيات كان يمكن أن تسد حاجة شريحة من المجتمع.
ومن هنا فانه لرفع مستوى إدارة واستثمار الأوقاف والتشجيع على تخصيص أوقاف لمجالات خدمية مفيدة، فان الأمر يتطلب أن نبتعد عن الفكر الحكومي والتجاري في إدارة الأوقاف، وان يكون لدينا فكر مستقل عن الدولة ومسئوليها وبحيث نمزج وبتوازن بين فكر تقديم الخدمة وحسن الاستثمار وتسند إدارتها لكيانات خاصة بالأوقاف مستقلة عن الدولة تتكون من كبار الواقفين وشخصيات مجتمعية لها خبرة في إدارة الأوقاف وليتم إدارتها ماليا من مكاتب محاسبة مشهود لها بالكفاءة وايضا تراجع وتراقب أعمالها من مكاتب مراجعة مستقلة لتوفير الثقة بالإدارة، وليقتصر دور الدولة على الرقابة فقط على طرق الاستثمار والصرف يتم وفق الضوابط والنفقات المحددة من الواقفين حتى نستثمر قطاعا مهما مازال مهملا ومقيدا في نفقات موسمية قد تذهب لغير المحتاج لها وغير ذات نفع عام وهو يمثل بوضعه الحالي هدرا ماليا لأوقاف وأموال كان يتمنى أصحابها استمرارها لإفادة مجتمعنا.
نقلا عن جريدة الرياض