هل لا تزال مشاريع أمريكا للاستفادة من الغاز الصخري مجدية؟

17/12/2013 1
د. سليمان الخطاف

لعبت التقنية دوراً بارزاً فى مساعدة الولايات المتحدة للاكتفاء ذاتياً من الغاز الطبيعى المصدر الأمثل لتوليد الطاقة. 

وبسبب التطور فى تقنيات الحفر واستخراج الغاز الطبيعى من الصخر رفعت امريكا احتياطياتها من الغاز الطبيعي من حوالي 5.3  تريليون متر مكعب عام 2002  الى حوالي  8.5 تريليون متر مكعب بنهاية 2012م. 

وتقدمت أمريكا على روسيا، لتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وأنتجت في عام 2012، 681 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، منها 265 مليار متر مكعب غاز صخري، أي نحو 38 % من الإنتاج الإجمالي لأمريكا. 

ونظراً للوفرة فى الانتاج الامريكى من الغاز الطبيعى انخفضت أسعاره في أمريكا، فبعد أن بلغت 12 دولارا للمليون وحدة حرارية في عام 2008 أصبحت الأسعار الآن تتراوح بين 3.5 و 4 دولارات. 

ولقد رافق الارتفاع في انتاج الغاز الطبيعى زيادة كبيرة في انتاج سوائل الغاز الطبيعية التى تستخدم كلقيم للصناعات البتروكيماوية، لكن سيتم التركيز بهذه المقالة فقط على الغاز الطبيعي.

تختلف أسعار الغاز الطبيعى فى كل بلد فى العالم وتتراوح بين 17 دولارا للمليون وحدة حرارية للغاز المسال فى اليابان الى 0.75 دولار فى السعودية. 

أما اوروبا وامريكا فتختلف فيها الأسعار ايضاً، وتأثرت الأسعار بأمريكا كثيراً بوفرة انتاج الغاز الصخرى وانهارت، لتصل الى أقل من دولارين فى أبريل 2012م، إلا انها استعادت بعض عافيتها وهى تتداول حالياً فى مستوى 3-4 دولارات للمليون وحدة حراراية.

 وتوقع البنك الدولى ان ترتفع هذه الأسعار فى امريكا فى عام 2025م الى حدود 6 دولارات (شكل 1). 

لم يلب انخفاض أسعار الغاز الطبيعى الحالى تطلعات الشركات الامريكية بالحصول على أرباح كبيرة، وأصبحت بالكاد تسترجع رأس مالها مع أرباح قليلة.

ولقد قدرت Platts ان الشركات الامريكية التى تنتج الغاز الصخرى تربح حوالي نصف دولار لكل مليون وحدة حرارية، هذا اذا كان سعر الغاز يساوي 4 دولارات للمليون وحدة. 

لذلك عندما انخفض سعر الغاز الطبيعى فى امريكا تحت حاجز 3 دولارات أصيب كثير من الشركات المنتجة بالهلع. 

ولقد أغرى ارتفاع الامدادات من الغاز الطبيعى كبرى الشركات الامريكية فى الاستثمار فى مشاريع عملاقة تستغل هذه الثروة من أجل تصنيعها وتصديرها لزيادة الربح، وتلخصت المشاريع لاستغلال الغاز الطبيعى الامريكى في التالى: 

1- تسييل الغاز الطبيعى وتصديره كسائل (LNG) الى اوروبا وآسيا.

2- تحويل الغاز الطبيعى الى ميثانول وأسمدة.

3- تحويل الغاز الطبيعى الى ديزل عالى المواصفات.

ولقد بلغت أسعار الغاز المسال فى آسيا حوالي من 15-20 دولارا للمليون وحدة حرارية وهذا ما جعل حوالي 23 مشروعا تتقدم الى وزارة الطاقة الامريكية لأخذ الموافقة على تصدير الغاز الطبيعى المسال الى اوروبا وآسيا بدلاً من بيعه داخل امريكا بحوالي 4 دولارات للمليون وحدة حرارية.

 وبهذا يمكن لهذه الشركات ان ترفع أرباحها بحوالي 5 دولارات اضافية للمليون وحدة حرارية.

 ولقد وافقت وزارة الطاقة الامريكية على أربعة مشاريع (جدول1) تقدر طاقتها بحوالى 5% من اجمالى الانتاج الامريكى للغاز الطبيعى ولا يزال حوالي 18 مشروعا قيد الدراسة. 

وتحاول اليابان أكبر بلد مستورد للغاز الطبيعى المسال في العالم الحصول على المزيد من هذا الوقود فى محاولتها لاستبدال الغاز الطبيعى محل الطاقة النووية فى توليد الكهرباء باليابان.

ويعد تحويل الغاز الطبيعى الى ميثانول من أهم استعمالات الغاز الطبيعى وتعتبر شركة ميثانكس رائدة فى هذا المجال، وكانت قد قررت فى بداية هذا العام ان تنقل مصنعاً لها فى تشيلى ينتج مليون طن سنوياً من الميثانول الى لويزيانا الامريكية، حيث إن الغاز الطبيعى الرخيص. 

ويتوقع ان ترتفع طاقة امريكا لانتاج الميثانول بحوالي 150% بنهاية 2014م اى حوالي 3.5 مليون طن. 

وهذه الزيادة ستلبي طلب امريكا الشمالية من الميثانول بدلا من استيراده من الصين. 

وقد يكون استغلال الغاز الطبيعى فى صناعة الميثانول من أنجح المشاريع، نظراً لحاجة امريكا الشمالية لهذه المادة الاستراتيجية. 

لذلك فقد ترفع الشركات الامريكية طاقتها لانتاج الميثانول الى حوالي 10 ملايين طن سنوياً اذا استمرت أسعار الغاز الطبيعى منخفضة واذا ساعدت أسعار الميثانول العالمية على ذلك.

أما المشاريع الأخرى فهى تحويل الغاز الطبيعى الى ديزل بمواصفات عالية وخالية من الكبريت. 

وعادة تكون هذه المشاريع عالية الكلفة وتقوم فى البلدان ذات الوفرة بالانتاج والاحتياطيات مثل قطر. 

ونظراً لطفرة انتاج الغاز الطبيعى فى الولايات المتحدة أعلنت كل من شركة شل -أكبر شركة نفط فى اوروبا- وشركة ساسول الجنوب الافريقية عن نيتهما تشييد مجمعين صناعيين لتحويل الغاز الطبيعى الرخيص الى ديزل غالى الثمن فى لويزيانا فى الولايات المتحدة. 

وكان من المقرر ان ينتج مشروع شل 140 الف برميل ديزل يومياً، وكانت شل قد أتمت فى عام 2011م مشروعاً شبيهاً لهذا المشروع بقطر وبكلفة وصلت الى 19 بليون دولار. 

ويبدو من الوهلة الاولى ان هذا المشروع مجد اقتصادياً خاصة فى ظل انخفاض أسعار الغاز الطبيعى بالولايات المتحدة وارتفاع أسعار الديزل، إذ يقدر سعر المليون وحدة حرارية من الغاز فى امريكا بحوالي 4 دولارات مقابل 20 دولارا ثمن المليون وحدة حرارية من الديزل على أقل تقدير.

إلا ان شل أعلنت مؤخراً ان هذا المشروع غير مجد فى امريكا الشمالية، وانها قد صرفت النظر عن هذا المشروع الذى تقدر كلفته بعشرين مليار دولار، لعدم ثقتها في استمرار انخفاض أسعار الغاز الطبيعى الامريكية واحتمال انخفاض أسعار النفط.

 وبالتالى الديزل بسبب وفرة انتاج الزيت الصخرى والرملى، لكن المحير فى الأمر ان شركة ساسول الجنوب افريقية الرائدة في تحويل الفحم الحجرى الى ديزل قد أعلنت إنها ستمضي قدماً فى مشروعها فى الولايات المتحدة الذى تقدر قيمته بحوالي 14 مليار دولار. 

ومن البدهى ان نجاح هذا النوع من المشاريع يعتمد على العلاقة بين أسعار النفط وأسعار الغاز الطبيعى الحالية والمستقبلية. 

صحيح ان أسعار الغاز الطبيعى الحالية رخيصة بالولايات المتحدة، لكن اذا نظر الواحد الى كل هذه المشاريع التى سوف تستقطع حوالي 30% على الاقل من انتاج امريكا من الغاز الطبيعى يدرك انه من المحال استمرار سعر الغاز الطبيعى فى امريكا بهذه المستويات المنحفضة، خاصة مع تسارع انتاج امريكا من الزيت الصخرى الخفيف الذى لا يحتاج الى الكثير من المعالجة لتحويله الى ديزل وهذا ما يجعل المراقبين يتوقعون انخفاض أسعار الديزل الامريكى فى المستقبل.

لاشك في ان امريكا قد أدهشت العالم بالخطوات المتسارعة في انتاج الغاز الصخرى والزيت الصخرى، لكن يبدو ان الشركات الكبيرة لا تزال تتمهل قبل الاندفاع للاستثمار الكبير فى هذه المجالات. 

فأسعار الغاز الطبيعى الامريكية مازالت غير مستقرة، فبعد ان وصلت الى القاع فى أبريل من العام الماضي (2 دولار لكل مليون وحدة حرارية) ارتفعت حالياً بأكثر من الضعف، لذلك يبدو من انسحاب شل الأخير ان الطريق الى الطاقة الامريكية الصخرية لا تزال غير واضحة المعالم.

نقلا عن جريدة اليوم