منفوحة في الواقع هي منفوحتان، منفوحة الجنوبية (منفوحة الأحباش وهم رغم كثرتهم اقلية بالنسبة للجاليات الاخرى)، ومنفوحة الشمالية (أكثرية مصرية في جزئها الشرقي واكثرية أفغانية في اتجاه سكيرينة وخليط من الاسيويين والأفارقة في جميع الاجزاء) ويفصل بين المنفوحتين من الشرق الى الغرب طريق الأمير محمد بن عبد الرحمن.
منفوحة الكبرى (تشمل المنفوحتين وسكيرينة) يحدها شارع الاعشى شمالا والدائري الجنوبي جنوبا وشارع البطحاء شرقا وشارع الأمير عبدالله بن عبد الرحمن ثم شارع الفريان غربا.
هذا الوصف الطبوغرافي (التركيبة السكانية والجغرافية) ضروري لفهم النشاط الاقتصادي وبالتالي تشخيص المشكلة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لمنفوحة، ومن ثم تطبيقها على الاحياء الأخرى ذات الظروف المماثلة ليمكن تلافي المشاكل المتوقعة قبل حدوثها.
لكن لاكتشافي منفوحة قصة مشوّقة تستحق ان يستمتع بقراءتها محبو القصص السياحي من القراء والمسؤولين، وكذلك لأنها تلقي مزيدا من الضوء على استيعاب طبوغرافية منفوحة.
في زمن الشقاوة البريئة وحب الاستطلاع عقب أداء صلاة الجمعة في أحد مساجد السليمانية سمعت راديو السيارة يعلن عن بداية خطبة الجمعة لسماحة المفتي، فاتجهت جنوبا الى مسجد الامام تركي لأستمع لنهاية الخطبة مباشرة من غير راديو، وعندما اقتربت على مرمى السمع والبصر من المسجد وجدته محاطا من جميع جوانبه بسياج كثيف من البشر (معظمهم من الأفغانيين) يفترشون الأرض في خشوع وكأن على رؤوسهم سحابة – لا نراها – تقيهم شمس ظهر صيف الرياض الحارقة.
كان من غير الممكن الاقتراب من المسجد وسط صفوف المصلين في الشارع، فاضطررت للالتفاف من بعيد على شكل بيضاوي متعرج مخترقا جموع المنتظرين إقامة الصلاة الى ان وجدت نفسي في شارع الاعشى فهالني ان جميع المساجد المنتشرة على نواصي جميع الشوارع المنفذة الى منفوحة يفترشها المصلون معظمهم أيضا الافغانيون وأبناء عمومتهم (كما يبدو من ملابسهم) ولولا صوت خطباء المساجد لأصبح من المستحيل ان تصدق أنك في الرياض.
بصعوبة وجدت مدخلا الى داخل الحي ثم أصبحت محاصرا بالمصلين فأوقفت السيارة وسألت أحد المصلين المفترشين عن اسم الشارع فأجابني بلهجة مصرية بانه شارع الغنم.
تجولت في الشارع الذي يبدو كأنه مقتطع من أحد الشوارع الشعبية في القاهرة: اسماك البلطي والبوري المشوية على الطريقة المصرية والفسيخ والمخللات والطعمية والفول والكشري والمشلتت وكل ما يشتهيه المصريون، وعند خروجي من الشارع لمحت يافطة تقول شارع الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم.
الغرض من هذا العرض الطبوغرافي هو توضيح ان الاثيوبيين لا يشكلون أكثرية في منفوحة بالنسبة لبعض الجاليات الأخرى، ولكن لهم خصوصية بأن خطرهم الفعلي على الامن وليس على الاقتصاد، فهم من الناحية الاقتصادية لا ينافسون العمالة الوطنية وترحيلهم لا يوفر وظائف للمواطنين لأن معظمهم دخلوا عن طريق التسلل لا كفيل لهم فامتهنوا المهن الخفيّة كمصدر للعيش.
اذن نحن حلينا جزءا من المشكلة الأمنية بترحيل بعض الاثيوبيين ولكن يجب ايضا ان نحل المشكلة الاقتصادية بالتخلص تدريجيا من العمالة المنافسة للقوى العاملة الوطنية قبل ان تحوّل البطالة (ام الكوارث كما وصفها شاه بندر التجار الشيخ صالح كامل) أبناء الوطن – مضطرين – الى المهن الخفيّة (التي خلّفها الاثيوبيون) والخروج على المجتمع ومخالفة القوانين جريا وراء لقمة العيش إذا لم نوفر لهم في وطنهم اعمالا شريفة يقتاتون منها لأن القطاع الخاص يفضّل عليهم الاجانب.
نقلا عن جريدة الرياض
يا سعاده الدكتور انور ......... والله قد اتعبت من بعدك