الحملات.. لا تكفي لعلاج خلل متأصل!

08/12/2013 0
عبدالرحمن الخريف

مع أننا نسعد بالحملات التي تقوم بها أجهزتنا الرقابية للأنشطة التجارية والصناعية ونتمنى استمرارها لمعرفتنا بحجم الخلل الكبير بها، إلا اننا نتأسف كثيرا على حقيقة الوضع الذي كشفت عنه تلك الحملات وتفاجأ به بعض مسئولي جهاتنا لبعدهم عن الواقع واعتبار أن ما ينشر بصحفنا عنها مبالغ فيه! فنتائج الحملات على الرغم من محدودية نطاقها المكاني والزمني أثبتت بان مالدينا لم يعد مجرد تجاوزات ومخالفات، فقد تحول مع مرور الوقت وضعف الرقابة الى تجارة مؤسسية قد تصنف بعضها بجرائم متعمده بحق الدولة والمواطن والمقيم.

وإذا كنا نثني على تلك الحملات وجهود معالي وزير التجارة والصناعة منذ توليه مهام الوزارة، فان جميع ماتكشف عنه تلك الحملات هو نتيجة انعدام رقابة جهاتنا الفاعلة لسنوات طويلة وضعف في العقوبات الذي شجع على تحول المخالفة من ممارسة فردية الى تنظيم مؤسسي، والغريب انه خلال سنوات طويلة تبرر المخالفات إعلاميا وحالات الغش بأنها تلاعب من عمالة أجنبية في حين ان حالات الغش والتلاعب ممارس منذ سنوات من شركات ومصانع كبيرة! فعندما يتم الإعلان قبل أسبوعين عن مداهمة فرق وزارة التجارة والصناعة لأحد المصانع الكبرى بجدة المتخصصة بالصناعات الكهربائية (تم الإعلان عن اسم المصنع) وانه اكتشف وجود أكثر من (88) الف قطعة كهربائية مستوردة من تايوان عبارة عن مفاتيح طبلون وقطع كهربائية صينية يقوم المصنع بإزالة بلد المنشأ ويضع عليها قطعة بلاستيكية عليها شعار صنع بالسعودية وعلامة المصنع ماذا يمكن لنا أن نسمي ذلك؟ هل هي مخالفة يُكتفى بإغلاق المصنع عدة أيام ويستدعى صاحب المصنع لأخذ أقواله والاكتفاء بمصادرة الكمية وفرض غرامة مالية؟ إن الأمر اكبر من ذلك بكثير ولا يجب أن يتوقف عند اعتباره مخالفة تجارية تطبق عليه وزارة التجارة والصناعة أنظمتها! ومثل ذلك باقي الحملات التي تنتهي بمصادرة حليب أطفال مغشوش ومتلاعب في صلاحيته وزيوت طعام وسيارات مغشوشة وغيرها مما يمكن أن يخرج من نطاق اختصاص وزارة التجارة إلى جهات أمنية ومالية ورقابية عليا!

انه من المؤسف لنا دائما أن نعتمد في متابعة الالتزام بالشروط والمواصفات على حملات موقتة تشمل جزءا قليلا من نشاط وبمواقع محدودة وتكون نهاية مايتم اكتشافه مصادرة وغرامات مالية وتجاهل لحقوق المستهلك المتضرر وحقوق الدولة، فمصنع الأجهزة والأدوات الكهربائية الذي تم اكتشاف حقيقته باستيراد أسوأ القطع الكهربائية بكميات كبيرة من شرق أسيا باع بضاعته على انها صناعة سعودية تطابق المواصفات الوطنية، هنا ألم يخدعنا بأنه مصنع وطني ويقدم بياناته ومنتجاته المستوردة كمنتجات وطنية وحصل على تسهيلات وأراض صناعية وقروض من الصندوق الصناعي ودعم من الدولة وهو مجرد مورد لمنتجات كهربائية سيئة! هل يمكن أن يصنف مايقوم به بأنه مصنع وطني يُفتخر به مع انه بالتأكيد تسبب في حرائق منازل ومنشآت تجارية وصناعية؟ لماذا لا ننظر كجهة رقابية تابعة للدولة بنظرة أكثر شمولية لما يتم اكتشافه من مخالفات وتجاوزات وتبعات ذلك سواء على المستهلك او أي جهة حكومية او خاصة لتحميل المخالف بجميع مخالفاته والمتضررين منه وان لا تنحصر نظرة كل جهة على مايتعلق بنشاطها! فالغش ليس دائما محدود المخاطر فربما مات أطفال ومرضى بسبب حليب ودواء فاسد، وتلفت سيارات بسبب زيوت وبنزين مغشوش ولا احد يعطي المتضرر حقه، والمشكلة الكبرى انه وفق النظام يجب أن يتم تأمين احتياجات الدولة من مصانع وطنية وبالتالي فالمتوقع أن القطع الكهربائية والطبلونات الرديئة المستوردة من هذا المصنع وربما مصانع أخرى تم تركيبها بمشاريع الحكومة استنادا على ملصق "صنع بالسعودية"! وأخيرا ماذنب من احترق منزله او مستودعه ومصنعه وقدم هذا المصنع الكبير المعروف لجهاتنا الأمنية وشركات التأمين شهادة كاذبة بسلامة تلك القطع الكهربائية الأساسية بالمباني كالطبلونات والقواطع والمفاتيح؟ فلدينا يتحول المجرم الى شاهد والجريمة تقفل بأنها قضاء وقدر.

نقلا عن جريدة الرياض