بعد انتهاء المهلة التصحيحية، دخل سوق العمل مرحلة جديدة، لم يتوقعها الكثير من أصحاب الأعمال والمشاريع، والتي تعتبر مرحلة هامة لبناء أساس قوي له انعكاس ايجابي على الاقتصاد خلال السنوات القادمة، بشرط أن تتغير بعض المفاهيم، التي تم تفسيرها على نطاق ضيق مسبقاً، والتي حان الوقت إلى توسيع مفهومها وتطبيقها على أرض الواقع.
أحد تلك المفاهيم، هو: استراتيجية السعودة، فنطاق السعودة المتعارف عليه في الوقت الحالي، هو احلال الأيدي العاملة السعودية محل العمالة الوافدة، وهذا المفهوم ضيق النطاق يجب أن نتوسع فيه استراتيجيا، بعد دخول سوق العمل لمرحلة مهمة بعد انتهاء المهلة التصحيحية، فمفهوم السعودة استراتيجيا، يجب ألا يكون تطبيقه فقط كمطلب طارئ فرضته بعض الاوضاع الاقتصادية، واعتباره كمسكن للباحثين والباحثات عن عمل في أعمال غير منتجة ولا تمت بأي صلة لتطوير الأيدي العاملة المحلية.
والمهم الآن، أن تكون استراتيجية السعودة عاملا اساسيا لزيادة التراكم المعرفي محلياً لأبناء الوطن، من خلال ابقاء وتبادل التجارب والخبرات المكتسبة داخل سوق العمل السعودي، وتقليل الاعتماد على الكوادر غير السعودية، والتي تسحب معها خبراتها عند مغادرة سوق العمل السعودي، وبمعنى أدق، يجب ألا تنتهي عملية السعودة فقط بمجرد تعيين الأيدي العاملة المحلية بدلاً من الأيدي العاملة الاجنبية، ويجب عدم الضغط على اطراف سوق العمل ببرامج دون تحديد اهداف استراتيجية، طالما اننا متيقنون بصعوبة توفر الكفاءات المحلية في العديد من الوظائف التي يحتاجها سوق العمل في الوقت الحالي، حتى لا يؤدي ذلك الى حالة عدم اتزان في سوق العمل.
لا ننكر أن حال سوق العمل مدمن على الأيدي العاملة الاجنبية في العديد من الوظائف، ومن هنا، وبعد انتهاء المهلة التصحيحية، يجب ان نعالج هذا الادمان تدريجيا وليس كليا حتى لا نصل الى حالة خلل في تركيبة واساس سوق العمل في الوقت الحالي، وينعكس ذلك سلبيا على اطراف معادلة سوق العمل بالكامل.
فالاستراتيجية التي ينبغي أن نسير عليها بعد انتهاء مرحلة التصحيح، يجب ان تتوسع أهدافها وألا تنحصر فقط على الزج بأكبر عدد ممكن في وظائف (دنيا)، طالما ان هناك قابلية جاهزة في سوق العمل لاستيعاب عدد كبير من الكوادر في وظائف (عليا)، تساهم وتدعم في نجاح تطبيق استراتيجية السعودة على المدى القصير والبعيد، من خلال زيادة التراكم المعرفي محليا داخل سوق العمل.
استراتيجية السعودة، لا يجب النظر إليها بمعيار العاطفة الوطنية فقط، فلا بد من ان نستغل الفترة الحالية بعد انتهاء المهلة التصحيحية بوضوح، والربط واقعياً بين سياسات التعليم وتأهيل الكوادر المحلية، وبين توسيع القاعدة الوظيفية وايجاد فرص عمل جديدة وزيادة التراكم المعرفي داخل سوق العمل من ناحية أخرى.
ومن جانب أصحاب العمل، فينبغى النظر إلى مفهوم السعودة بأنه إحدى المسؤوليات الاجتماعية التي يجب ان يلتزم فيها أصحاب الأعمال؛ لزيادة المعرفة في سوق العمل، مما ينعكس عليه ايجابيا خلال السنوات القادمة.
نقلا عن جريدة اليوم