هناك جيل لم يألف الحياة بدون سائق وعاملة منزلية.
في السابق كان الصغير في الأسرة يستوعب استيعاباً كاملاً لماذا أنجبه والداه؛ ليساعدهما في أعمال المنزل ثم خارج المنزل ثم يكدّ على المنزل.
حالياً، هناك من يشعر بالكثير من عدم الاطمئنان عند الحديث عن تقنين استقدام العمالة، وكأنك سترمي به إلى المجهول.
بدايةً، وحتى أكون واضحاً، فليس متصوراً الاستغناء عن العمالة الوافدة، وهذا سيبقى صحيحاً للمستقبل المنظور، والسبب أننا بنينا اقتصاداً كلمة السر فيه «العمالة الوافدة»؛ فهو يعتمد هيكلياً على عمالة كثيفة ورخيصة، مما يتطلب منا العمل سنوات طوالاً لإعادة هيكلة كل ذلك ليعتمد اقتصادنا على عمالة محدودة وعلى كثافة رأس المال..
الاقتصاديون في هذا البلد «خشبت ألسنتهم» وهم يتحدثون منذ عقود عن أهمية الابتعاد عن «مطب» الدخول في أي أنشطة اقتصادية تتطلب كثافة في العمالة، نعم قد تنطوي على مكاسب لكنها ليست لنا فنحن لا نملك الموارد البشرية اللازمة، لكننا تورطنا بدخول هذا المأزق من أوسع الأبواب.
المطلوب الآن الخروج منه، بأن:
1-نعيد برمجة أجندتنا التنموية برمجة واقعية بأننا بلد شحيح في موارده البشرية.
2-نتجنب إهدار طاقاتنا البشرية المواطنة في أعمال هامشية.
3-نعلم مواردنا البشرية أفضل تعليم وندربها أفضل تدريب ونؤهلها ونعيد تأهيلها لتدعم اقتصاداً مبنيا على المعرفة والتنافسية.
4-نعدّ أبناءنا وبناتنا لأعلى الوظائف «قيمة»، والقيمة هنا لا تعني المنصب الاداري بل التأثير الوظيفي، بمعنى أن يكون الشاب «عودا في حزمة» وليس أفضل مَن في الحزمة.
وعلى صلة، فلا مفر من إعادة هندسة ما نقوم به من أعمال ووظائف في القطاعين الحكومي والخاص بهدف الترشيد في استخدام مواردنا البشرية حفاظاً عليها من جهة وحتى لا نستقدم من الخارج إلا بقدر الحاجة والاضطرار.
وقد يقول قائل: لما التضييق على الذات؟ هو ليس تضييقاً بل منعاً من هدر أموالنا لاستقدام ملايين العمالة فقط من أجل صف طابوق و»خذ شاهي.. وهات شاهي» و»هات ماي.. ونظف سيارتي.. وبعدين نظف الحديقة».
قد لا أكون مبالغاً إن قلت إن بلدنا تطفو على بحيرتين؛ الأولى نفط، والثانية ملايين من العمالة الوافدة، وإلا ما الذي ننتجه لكي يستوجب استقدام كل هذه الملايين من العمالة؟ أعظم ما لدينا من صناعات وهي النفط والغاز والبتروكيماويات والبلاستك لا تتطلب مجتمعة أكثر من بضعة مئات من الآلاف.
اكرر، ليس مطروحاً الاستغناء عن الاستقدام، لكن مهم أن نفكر ملياً: أننا مع العمالة الوافدة نستورد اﻻعتماد على الغير، ونستورد التضخم، ونستورد رياديين ينافسون أبناءنا بلا هوادة.
إذاً، علينا أن نستخدم الاستقدام بتقتير، وإلا فإننا نهدر المال ومعه فرصة ثمينة أن نعتمد على أبنائنا ليتعلموا ويكتسبوا المهارة ويراكموا الخبرة وينقلوها لأبنائهم وبذلك نصبح اقتصاداً صناعياً، ولن نصبح اقتصاداً صناعياً باستيراد العمالة والمكائن.
نقلا عن جريدة اليوم