العمالة والترحيل المتدرج

28/10/2013 1
عبدالله الملحم

مابين سندان البطالة ومطرقة السعودة تأتي الخطوات المهمة لوزارتي العمل والداخلية في ملاحقة العمالة غير النظامية، التي باتت تهيمن على أسواقنا، وتختطفها من أمام الشباب السعودي الباحث عن العمل، ورغم أهمية هذا الإجراء إلا ان واقع الحال يقول إن السوق الخاضعة لتلك العمالة حيث المهن اليدوية البسيطة في المنشآت الصغيرة ليست هي السوق التي يبحث شبابنا عن العمل فيها، شبابنا يبحث عن الفرص الأفضل للعمل في المؤسسات والشركات الكبرى كأرامكو، والخطوط السعودية، وسابك، وشركة الكهرباء، والشركات العملاقة في الجبيل وينبع، وكبريات شركات القطاع الخاص، كسعودي أوجيه، وابن لادن، وشركات المملكة القابضة، ووكالات السيارات، والمستشفيات والصيدليات، وفنادق الدرجة الأولى، التي تعمل بها الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية؛ وتواجد السعوديين بها مازال دون الطموح، والملاحظ أن هذا القطاع من سوق العمل غير مشمول بالملاحقة كما تُلاحق اليد العاملة في ورش السيارات، وورش الصيانة في الأحياء، واليد العاملة المشتغلة في البناء وكل ما يتعلق بها، من ورش حدادة، ومناجر، وألمنيوم، وكل ما يدور في هذا الفلك الدوار، الذي لا يريد شبابنا العمل فيه حتى لو ضُيِّقَ على العمالة التي تشغله ورحلت خارج الوطن !

بكل تأكيد ليس المطلوب من السلطات المعنية التغاضي عن العمالة المخالفة، ولا تركها تسرح وتمرح داخل البلد كيفما تشاء، ووجودها قد يكون مُهدِّداً لأمننا على مختلف الصعد؛ كونها في الأساس ليست نظامية، فضلاً عن كون مصلحة وطننا وشبابنا الأهم وفوق كل اعتبار، ويفترض ألا تأخذنا المجاملة أو المهادنة في سبيل تحقيق كل ما يحقق مصلحتهم، ولكن يفترض ألا نصلح خلل ثلاثين سنة في ثلاثة أشهر، خاصة في ظروف دولة كبيرة كالمملكة، وحين نُخلي أسواقنا من اليد العاملة غير النظامية في فترة وجيزة جداً فنحن من حيث لا ندري نسهم في رفع الأسعار بصورة كبيرة  بحق المتضرر الحقيقي الذي سيكون في النهاية المواطن؛ الذي لا ذنب له في وجود تلك العمالة المخالفة، حيث سيغدو من جراء ذلك كمن يُعاقب بجريرة غيره ممن فرطوا في دخول هذه العمالة، حتى تكاثرت وأصبحت ورماً يجثم على أسواقنا، عملياً لا يمكن لترهل سنوات طويلة من التفريط في ضبط تسيب هذه العمالة أن يُكافح في أشهر معدودة، كل دول العالم الغنية تعاني من العمالة غير النظامية، وقوانين الهجرة لديها تتعامل بصرامة مع المخالفين، لكن ثمة فرقا بيننا وبينهم، في أمريكا وأوروبا مثلاً التغاضي عن العمالة غير النظامية سيجعلها تختطف جزءاً من الفرص الوظيفية التي كان من المفترض أن يشغلها مواطنون أمريكيون وأوروبيون أما عندنا فنحن بصدد ترحيل عمالة لا يريد شبابنا القيام بأعمالها التي كانت تقوم بها، إما بسبب العادات والتقاليد أو لأنه يتطلع لفرص أفضل، ويرى أنه الأحق بها من الأجانب الذين يشغلونها ويتقاضون عليها أجوراً عالية؛ وهو يمتلك ذات المؤهلات والخبرات التي يمتلكونها!

وحل هذه المعضلة يكمن في الترحيل المتدرج المدروس الذي يراعي الإحلال وليس الإخلال بتوازنات سوق العمل، التي سيتضرر منها المواطن، دون أن يستفيد منها شبابنا الرافض للكثير من المهن اليدوية التي نعرفها جميعاً، ونحتاج لعقود حتى تتوطن ويتقبلها من يرون السعودة تنتظرهم في أماكن أعلى دخلاً وأكثر أهمية ومازالت مشغولة بالأجانب !

نقلا عن جريدة اليوم