نستطيع بكل أريحية أن نقول إن ساما (مؤسسة النقد العربي السعودي) ليست كالبنوك المركزية الحديثة في الدول الأخرى، فهي لا تستخدم سياستها النقدية للحد من ارتفاع معدلات التضخم (الهدف الأول للبنوك المركزية) مما يؤدي الى تأّكل القوة الشرائية للريال. في نفس الوقت واضح أن السياسة النقدية لساما تسير في ركاب السياسة المالية لوزارة المالية التي تحاول أن تجمع أكبر مقدار من الفوائض المالية تحسباً لتقلبات الزمن لأنها تعرف أن عصر الطفرة لن يدوم.
العلاقة التي تربط ساما بوزارة المالية علاقة حميمية بدأت أواصرها تنمو قبل ثلاثين سنة مع بداية الثمانينيات عندما أصبحت وزارة المالية تحتكر تعيين مناصب نواب ومحافظي ساما من موظفيها المخلصين الذين شبوا وترعرعوا في مدرستها فتشبعوا بسياساتها الاقتصادية المتحفظة. إضافة إلى أنهم يشعرون بأنهم مدينون لوزارة المالية بترشيحهم لمناصبهم، ومدينون لها باكتساب خبرتهم العملية أثناء عملهم بالوزارة (أم الوزارات)، وكذلك أيضا مدينون لها بالحصول على مؤهلاتهم العلمية العليا عن طريق ابتعاثهم للدراسة من قبل الوزارة.
البنك المركزي (تقوم بدوره لدينا ساما) هو المسؤول عن ممارسة السياسة النقدية للدولة وفقاً لاحتياجات اقتصادها القومي من غير أن يتلقى توجيهات من وزارة المالية أو أي جهة أخرى. لكن ساما وجدت نفسها -شاءت أم أبت- تتخلى عن استقلاليتها في ممارسة السياسة النقدية فأصبحت تتصرف كأن محافظها معاراً (أو منتدباً) للعمل فيها من وزارة المالية.
أمّا السياسة المالية (التحكم في إيرادات ومصروفات الميزانية) فهي من اختصاص وزارة المالية. لا شك أن وزارة المالية في الوقت الحالي لا تعاني صعوبة في تحصيل إيرادات الميزانية فجميع إيراداتها تأتي -بطريق مباشر أو غير مباشر- من مصدر ريعي واحد ولكنها تعاني حيرة في توزيع هذه الإيرادات على القطاعات المختلفة حيث يتنافس كل قطاع للحصول على أكبر نصيب من الاعتمادات.
من الواضح أن السبب الرئيس في حدوث ارتفاع معدلات التضخم في المملكة هو الإنفاق الحكومي الضخم الذي هو أكثر كثيراً من قدرة اقتصادنا القومي على امتصاصه.
السياسة النقدية (التحكم في إصدار كمية النقود) هي من اختصاص مؤسسة النقد التي درجت على أن تزيد عرض القاعدة النقدية (طباعة الريال) لتوفير السيولة لوزارة المالية بدلاً من أن تحاول تلبية مصروفات الوزارة عن طريق رفع القيمة الشرائية للريال.
هكذا تعاضدت السياسة النقدية مع السياسة المالية فأصبحتا كأنهما سياسة واحدة بدلاً من استخدام السياسة النقدية باستقلالية لتخفيف الآثار الجانبية التي ترافق -عادة- التوسع السريع في الإنفاق الحكومي سواء على بناء البنية التحتية الجديدة أو لصيانة البنية التحتية القديمة المهترئة لسوء تنفيذها.
هذا التبسيط الموجز لأسباب وسيناريو تفاقم التضخم في المملكة يحتاج للتوضيح -بقدر ما تسمح به مساحة الزاوية- لكن الرسالة واضحة: لقد آن الأوان أن تنتهج ساما سياسة نقدية جديدة (لا سيما أن إدارتها الحالية ليست من خريجي مدرسة وزارة المالية) فتمارس اختصاصاتها بالتنسيق والتعاون البناء -وليس التبعية- مع وزارة المالية وفقاً لصالح الاقتصاد القومي.
في زاوية الأحد القادم -إن شاء الله- سنناقش بعض أدوات التنفيذ المشتركة بين السياستين (السياسة النقدية والسياسة المالية) ونقترح على ساما أن تدرسها بجدية وتتبناها ومن ثم تحاول إقناع وزارة المالية بجدوى تفعيلها. كذلك نقترح على وزارة المالية أن تلقي آذاناً صاغية لمطالب ساما.
نقلا عن جريدة الرياض
كلام جميل يادكتور .. وفي الصميم .. ياليت يادكتور أيضاً تعرج على (عدم) استقلالية وزارة الاقتصاد والتخطيط الإبنة البارة الثانية لوزارة المالية. وكذلك أتمنى لو توضح - بمثال - دور البنك المركزي في الولايات المتحدة تجاه الأزمة المالية واستقلاليته في سياساته. إذا ما كلفنا عليك بارك الله فيك.
اسمح لي يا دكتور: ساما تتحكم بسعر الفائدة وبكمية عرض النقود ليس عن طريق طباعتها لأن هذه مسألة مالية ولكن بما يعرف بالريبو والريبو العكسي وتحديد سعر الفائدة. وساما لا تستطيع التحكم بنسبة الفائدة لأن هذا مرتبط بالدولار. وسبب التضخم ليس الإنفاق الحكومي ولكن التضخم المستورد من الخارج بسبب انخفاض الدولار أمام االعملات الأخرى. وشكراً
اذن الحل لمكافحة التضخم هو رفع قيمة الريال
المقال يفتقر للادوار الاخرى التي تقوم بها مؤسسة النقد, وكذلك حسب علمي بأن المحافظ الحالي ليس من موظفي وزارة المالية حسب السيرة الذاتيه http://www.alriyadh.com/2011/12/14/article691644.html ويا ليت تفيدنا يا دكتور عن ادوار البنك المركزي الأمريكي الرئيسية غير التيسيير الكمي والمحافظة على التضخم بمستوى مقبول .. ولك الشكر
والله العالم، أن الهدفين الوحيدين لأعمال البنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي وفق نظامه الأساسي هما: 1) محاربة البطالة (والهدف الحالي خفضها دون 6.5%)... 2) السيطرة على التضخم (والهدف الحالي دون 2%)... ومحافظُ البنك يتم ترشيحة من قبل الرئيس لإعتماد مجلس الشيوخ بعد جلسة إستجواب!!.. وبعد ذلك، فهو مستقلٌّ تماماً عن الإدارة التنفيذية (البيت الأبيض وتابعته وزارة الخزانة).. وعن السلطة التشريعية (الكونغرس) .. وكذلك عن السلطة القضائية !!!... مستقبل تماماً !!!.. والله أعلم.
وزارة المالية تكدس النقد من بيع البترول ولايهمها انخفاض الدولار لان انخفاض الدولار لا يؤثر على ايرادتها حيث كلما انخفض الدولار ارتفع سعر النفط .... وفي النهاية المواطن يأكل هوى فدخله يتآكل تماماً في ظل عدم اتخاذ اي قرار لمواجهة التضخم الناتج عن انخفاض الريال المربوط ظلماً وعدواناً بالدولار المتهاوي ... فلا حل للتضخم الا بفك الارتباط او رفع قيمة الريال او زيادة الأجور .. وكل هذه الحلول تعطيها وزارة المالية طناش لانها في صالح المواطن المسكين وتحرمها تكديس الدولارت .