لدى بعض مسؤولي وزارة المياه قدرة فائقة على تهميش المشكلات، وتعظيم المنجزات بمعزل عن معايير القياس الاسترشادية التي يمكن من خلالها إصدار الأحكام بعدالة وواقعية.
في الغالب يكون تحقيق الأهداف المحددة سلفاً، إضافة إلى حجم الإنتاجية والربحية ورضا العملاء من أهم معايير القياس.. عملاء القطاع الخاص ليسوا في حاجة إلى من يقنعهم بكفاءة الشركة التي يتعاملون معها، فخدماتها المقدمة خير شاهد على جودة العمل، ولكن مَنْ يقيِّم كفاءة أداء الوزارات؟..
النتائج هي المقياس العادل والمنصف لطرفي العلاقة الخدمية، وعلى ضوئها تُقاس درجة الكفاءة التي يبحث عنها الجميع.. وفي الغالب، لا ترتبط الكفاءة بحجم العمل، ومشقته، بل بالنتائج، وقد قيل: «اعمل بذكاء ولا تعمل بشقاء» فمشقة العمل، واستمراريته، وبذل الجهد المستمر قد لا يجدي نفعاً إذا لم يكن في الاتجاه الصحيح المحقق للأهداف. ليس من خُلق المؤمن «الإجحاف»، قال تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، ولا يمكن لمواطن بسيط أن يُمارس «الإجحاف» على وزارة خدمية تقدم خدماتها للجميع، ما يجعلهم شهداء الله في أرضه، على أدائها ومشروعاتها.. إلا أن سكان الجبيل بحثوا عن إحسان وزارة المياة المتمثّل في القضاء على معضلة الطفح الأزلي، لأكثر من عشر سنوات فلم يجدوه، لأسباب مرتبطة بكفاءة العمل، وقصور التخطيط، ومحدودية الرؤى الإستراتيجية.
وزارة المياه ممثلة في مديرية المنطقة الشرقية، تعتقد أنها تقوم بعملها المطلوب، وتقدم مشروعاتها الضخمة التي يجب على المواطنين الاقتناع بجودتها، وإن لم تعالج مشكلاتهم القائمة، وتعتبر أي احتجاج على تدني خدماتها نوعاً من «الإجحاف» لجهود المديرية، فمعيار القياس لديها حجم المشروعات، لا جودتها وكفاءتها، ومعالجتها لمشكلة المدينة الأزلية، وهي الطفح المستمر الذي لم ينقطع من شوارع المدينة وطرقاتها لأكثر من عشر سنوات.. فهو الزائر الثقيل الذي لا يفرح السكان باختفائه حتى يظهر، حاملاً بين جنباته الأمراض والجراثيم والأوبئة والنجاسة والتلوث.
لم يكن طرح فكرة دمج شبكة الجبيل مع الجبيل الصناعية تحت إشراف «مرافق» رأياً شخصياً بقدر ما كان رأياً عاماً يُمثّل الأهالي ومجالسهم الإدارية، فسكان الجبيل أكثر قدرة على قياس الأداء وجودة العمل في قطاع المياه من خلال المقارنة الدقيقة بين مدينة الجبيل الغارقة في مياه الصرف، والمتشبثة بالمشروعات المتعثرة، ومدينة الجبيل الصناعية المتنعمة بروائح الزهور، والحدائق وجمال البيئة ونقاوتها كنتيجة حتمية لكفاءة عمل الهيئة الملكية وشركة «مرافق».
من جانب آخر، فطرح خصخصة قطاع المياه في الجبيل وضمه إلى شركة «مرافق» الحكومية لا يختلف عن خصخصة المياه في الرياض والمناطق الأخرى، وضمها تحت مظلة شركة المياه الوطنية، فمن خلال هذا الطرح الاقتصادي يمكن معالجة مشكلة البيروقراطية، وقصور الخدمات وتدني مستوى الجودة وتحقيق هدف الخصخصة الإستراتيجي، ووقف هدر المال العام.
في نهاية الأمر، ستتم خصخصة قطاع المياه في الجبيل وفق الخطة الحكومية الرامية إلى خصخصة القطاع في المملكة، وبعيداً عمن سيتولى مسؤولية المياه والصرف مستقبلاً، تبقى الحكمة في إسناد القطاع لشركة واحدة تمتلك شبكة التجميع والضخ ومحطات المعالجة وتمتلك في الوقت نفسه كفاءة العمل وجودة المشروعات.
الإصلاح، والمصلحة العامة هما ما نبحث عنهما جميعاً، ومتى اعتبرنا ذلك قاعدة الطرح والمعالجة فستكون النتائج مثمرة وقيمة، والاعتراف بالخطأ هو بداية التصحيح، في الوقت الذي يتسبب فيه النفي والتسويف في تكريس المشكلة وبقائها جاثمة على صدر الوطن والمواطنين.
أعتقد أن عدم تدخل معالي وزير المياه شخصياً لمعالجة «أزمة صرف الجبيل» وتركها في يد مديرية المنطقة لأكثر من عشر سنوات تسبب في إطالة أمدها، وعدم إيجاد الحلول الناجعة لها، وتتسبب في الإضرار بصحة المواطنين وسلامة البيئة وهدر أموال الدولة.
ما نرجوه هو معالجة هذه الأزمة من جذورها، بغض النظر عن جهة الاختصاص، وآلية المعالجة، وحجم المعوقات، فما تنفقه الدولة من مليارات كفيل بمعالجة أزمة دولة، لا مدينة محدودة المساحة.. قياس كفاءة عمل مديرية المياه في المنطقة الشرقية مرتبط بعلاج مشكلة «أزمة الصرف في الجبيل» جذرياً، فإن عجزت، فلن نكون من المنصفين إن لم نكشف عجزها وتقصيرها عن إتمام مسؤولياتها.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع