تاريخ وزارة الاقتصاد والتخطيط لدينا يجعل من الصعب أن نقول إنه يوجد لدى وزارة الاقتصاد والتخطيط اقتصاديات ولكن سنجاملها ونحاول ان نجد لها اقتصاديات.
لا أحد ينكر ان المسؤولية التي ألقتها حكومتنا الرشيدة على عاتق وزارة الاقتصاد والتخطيط هي مسؤولية ثقيلة تنوء بحملها الصلاحيات الممنوحة لها.
لكن ذنب وزارة التخطيط انها قبلت المسؤولية –ليس فقط– من غير ان تقوم بواجباتها بل لأنها تقول للمسؤولين بأنها تؤدي مسؤوليتها كاملة كما هو المطلوب منها.
وزارة الاقتصاد والتخطيط عذرها أكبر من ذنبها لأنها تحتج على الناقدين لها بأن عليهم الرجوع الى خططها الموثقة على الورق ليروا بأعينهم مدى الجهد والعمل الدؤوب الذي بذلته في سبيل وضع اهداف طموحة لا ترقى لطموحها اهداف خطط الدول الاخرى، لكنها تستدرك فتقول ان تنفيذ هذه الأهداف ليس هو اختصاصها بل مسؤولية الوزارات والمصالح التنفيذية.
هذا العذر قد يكون مقبولا لو ان وزارة التخطيط لا تصدر عقب كل خطة كتيبات وتصريحات تشيد بتحقيق الخطة لأهدافها وتكيل المديح للجهات المنفذة مستشهدة بضخامة المبالغ التي تم صرفها بغض النظر عن كيف وعلى ماذا تم صرف هذه المبالغ.
في منتصف عام 1988 عدت من البعثة إلى وزارة المالية فأُعطيتُ مكتباً منزوياً صغيراً مقتطعاً من ممر في الدور الخامس بمقر مديرية الميزانية العامة للدولة.
كان هذا المكتب هو مكتب الدكتور محمد الجاسر (وزير التخطيط الآن) الذي صادف مغادرته توا لاستلام عمله في بعثة صندوق النقد الدولي في واشنطن فورثت منه مكتبه ومحتويات المكتب.
من محتويات المكتب الصغير تكونت لدي فكرة مبدئية عن شخصية الدكتور الجاسر –ولم أكن قد رأيته بعد– بأنه شاب ذكي طموح حرك دمث الاخلاق شغوف لتطوير ذاته يحاول التجديد والاستفادة من استخدام كل جديد في أداء اعماله.
كان هذا واضح من الأدوات والأجهزة المكتبية الموجودة في المكتب الصغير التي يبدو ان معظمها اشتراها بنقوده الخاصة لأنها ليست من نوع الأجهزة والأدوات التي تزوّد عادة الوزارة بها مكاتب موظفيها.
على سبيل المثال لقد كان يوجد بجوار جهاز الكومبيوتر –الذي لم يكن شائعا حينذاك– بعض المراجع والديسكات لتحميل وشرح طرق استخدام البرامج التي يحتاجها العمل المكتبي الحديث كقاعدة حفظ البيانات، واعمال الكتابة، والعمليات الاحصائية.
لفت نظري من ضمن موجودات المكتب كتيب سميك بالألوان (يبدو انه أعد عليه تقرير للوزير) يحتوي على منجزات خطط التنمية وعلى غلافه إهداء من معالي الشيخ هشام ناظر الى معالي الشيخ محمد أباالخيل.
لذا توقعت عند تعيينه محافظا لساما انه سيجري تغييرا على السياسة النقدية لسلفه معالي الشيخ حمد السياري الذي كان ناجحا –رغم تحفظه الشديد– لأن ظروف مديونية الدولة وعجوزات الميزانية كانت تتطلب منه الحذر.
لكن الدكتور الجاسر خيّب فراستي فلم يغير شيئا رغم تلاشي الديون وتراكم الفوائض المالية وتفاقم البطالة وارتفاع نسبة التضخم.
قد نعذر الدكتور الجاسر على سياسته المتحفظة في ساما لارتباطها بوزارة المالية فلم يجرؤ على اتخاذ سياسة نقدية تخالف السياسة المالية لوزارة المالية.
لكن لا نعذره على تصريحاته مؤخرا التي توحي بأنه سيدع وزارة التخطيط تسير سبهللا (من غير أهداف) على طريقة دع الأمور تجري في أعنّتها ولا تبيتنّ الا خالي البال.
موضوع زاوية الاحد القادم –ان شاء الله– بعنوان: عودة لاقتصاديات علاوة المتقاعدين.
نقلا عن جريدة الرياض
د أنور أتعجب من عدم وجود أي تعليق على مثل هذا المقال ( التاريخي) تحياتي وتقديري لشخصكم الكريم وفكرهم الراقي