سألني أحد أعضاء مجلس الشورى، عن فكرة دمج المدن الصناعيَّة، وأي الجهات أكثر تأهيلاً، لتولي القطاع لو تَمَّ الدمج؟ وقبل أن أبدي رأيًا حول الموضوع، تبرع هو، وقال: إن هناك تمنّعًا في قبول فكرة الدمج، لأن كل جهة مسؤولة عن جزء من هذا الموضوع، قد نمت، وتطوَّرت، بطريقة، قد تجعل من الصعب القيام بعملية الدمج!!
قلت لصديقي: إن ذلك النقاش سيذهب، مثل غيره، أدراج الرِّياح، لأن جزءًا أساسيًّا من مشكلاتنا الإدارية اليوم،هي ألا أحد يريد التخلي عن صلاحياته، لأنّها تتيح له ميزات مادية، وإن افترضنا الفساد، وسوء النيّة في مكان ما، فالمعركة ستكون أكثر شراسة، للمحافظة على الوضع القائم.
ولكن دعونا نفترض، للحظة، حسن النية، وبأن من يعترض على عملية الدمج، هو مخلص، ولكنه ضلّ طريقه في خضمّ البيروقراطية الخانقة، ودعوني أوضح الجهات ذات العلاقة بموضوع الأراضي الصناعيَّة، هي:
1 - المدن الصناعيَّة، التي تشرف عليها وزارة الصناعة.
2 - المدن الاقتصاديَّة، التي أنشئت تحت إشراف هيئة الاستثمار.
3 - الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وقد أضيف لها مؤخرًا رأس الخير.
4 - الورش الصناعيَّة، التي ترخص لها البلديات.
ولكن قبل إعطاء رأي حول الجهة الأفضل، للإشراف على كلٍّ المدن الصناعيَّة، دعونا نعود إلى الوراء قليلاً:
- قبل خمسين سنة، استقدمت الحكومة مؤسسة فورد، لغرض المساعدة في تنظيم الجهاز الحكومي، وقد تبيّن سريعًا، أن الجهاز الحكومي غير مدرّب لتقبل الأفكار الجديدة، لذلك أنشئ معهد الإدارة العامَّة، لتدريب الموظفين، وقد قيَّض الله له مسؤولاً إداريًّا من الطراز الأول، هو المرحوم الأستاذ فهد الدغيثر.
- مع الأسف، اعتبارًا من عام 1973م، ونتيجة للطفرة البترولية الأولى، فقد تغيَّر التوجُّه كلية، وكبديل لخلق تنظيم حكومي موحَّد، وفاعل، فقد سمح لمختلف الأهواء أن تقترح ما تراه، ومن ثمَّ خلقت إدارات حكومية، وسمح بعملية إيجاد أذرع تنفيذية للمشروعات، في كلِّ جهاز.
- اليوم، ولو نظرنا إلى حالة تضجّر المواطن من حركة المرور، أو تأخر مواعيد المستشفيات، أو الأمور المتعلِّقة بالتضخم، أو غلاء العقار، ومعه ارتفاع تكاليف الإيجارات... وغيره من الهموم اليومية للمواطن، فإنَّ كل تلك المشكلات، يمكن أن تعاد إلى حالة التشرذم الإداري، التي نمت مثل السرطان، التي أسميها «سياسة حب الخشوم»، وهي تعني ألا تُتَّخذ قرارات تغضب أحدًا، حتَّى ولو تسبب ذلك في خلق ازدواجية إدارية!!
هذا هو وضعنا اليوم، وما زلنا نتمادى في ذلك، وسأضرب مثلاً، وغيره الكثير من الأمثلة، فعندما فشلت البلديات، وأنشئت وزارة للبلديات، لم تتمكن تلك الوزارة من السيطرة على كثير من البلديات الرئيسة، وعندما فشلت البلديات، ومعها وزارة البلديات، خلقت هيئات تطوير مدن، مثل الرياض، ومكة، والهيئة الملكية، ومؤخرًا دخلت شركة أرامكو على الخط!! كوزارة إنشاءات حكومية، أيّ أن السياسة الإدارية السائدة، كانت، ومازالت، هي الهروب إلى الإمام، فعند كل فشل إداري، يخلق جهازًا إداريًّا جديدًّا، بصلاحيات جديدة.
وأخيرًا تفتّق الذهن البيروقراطي عن فكرة الهروب أبعد، وذلك بتأسيس شركات حكومية، تابعة للأجهزة الحكوميَّة،ولكن من دون إشراف الحكومة، وهو ما سمح بتعيين «المحسوبين على معاليه» في تلك الشركات،برواتب لا يحلمون بها، لولا عبقرية معاليه!!
والسؤال المهم، لماذا لم تعط تلك المرونة الجديدة، التي أعطيت للهيئات الجديدة، إلى البلديات القديمة، وننهي عملية تأسيس الكيانات الجديدة؟! ولو قال قائل: إن الأجهزة القائمة غير قادرة، حتَّى ولو أعطيت الصلاحية، والمرونة، فذلك مبرر لطرح السؤال التالي: هل يعقل أن بلدًا بحجم المملكة، لم تُخضع وضعها الإداري للمراجعة الكلّية، منذ خمسين سنة؟!
- أعود إلى سؤال صديقي عضو مجلس الشورى، وأقول: إن تأسيس مختلف المدن الصناعيَّة، وما سُمِّيت بالاقتصاديَّة، هي كانت عملية هروب إلى الأمام، بدلاً من محاولة معالجة المشكلة الأساسيَّة، ولكن لو سئلت عن عملية دمج المدن الصناعيَّة في جهة واحدة، فسأقول: إن الهيئة الملكية للجبيل وينبع، هي الأكفأ.
لماذا؟! ومع تقديري للمسؤولين فيها، فإنَّ أهم ما عملوه، هو أنهَّم حافظوا على النموذج الأصلي الناجح، الذي أسسته شركتا بكتل، وبارسون، وهو وضع مماثل لما حدث في الصندوق الصناعي، الذي أسس من قبل بنك تشيس منهاتن.
- رغبت إعادة تلك التواريخ، والأحداث، لأننا مازلنا نبحث عن حلول، ومع ذلك لا نحقق جزءًا يسيرًا، مما حققه الجيل الذي بنى الجبيل وينبع، أو جامعة البترول، أو الصندوق الصناعي.
نقلا عن جريدة الجزيرة
مقال يشخص الوضع بدقة ويعكس الخبرات الادارية العميقة لدى كاتب المقال ........سلمت يداك
لا أتفقُ مع الرأي القائل بالإقتداء بنموذج الهيئة الملكية الحالي ... ربما أقبلُ بالنموذج السابق الذي اسسه المرحوم د./غازي القصيبي.. وسببُ عدم القبولبالوضع الراهن بسيطٌ جداً !!!... الرئيسُ الحالي للهيئة الملكية هو في نفس الوقت رئيس مجلس إدارة سابك .. وكذلك رئيس مجلس إدارة شركة (مرافق) المزود لخدمات المياه والكهرباء في المدينتين ... وهذا تعارضٌ صارخ بين مصالح الجهات الثلاثة وأعمالها !!!... رئيس المدينة/أو المدن الصناعية يجب أن لا يشغل أي منصب في أيّ شركة !!!.. نقطة نهاية السطر.
فعلا امر محير, ايهم الاولى في تولي المسؤوليه, لكن الاقرب للاحترافيه في العمل هي الهيئه الملكيه للجبيل وينبع, على الاقل هي جهه واضح الهدف منها ولذا سيكون تقصيرها مكشوف للجميع, لكن الجهات الاخرى غير واضح تقصيرهم ويتعذرون باشياء اخرى, فاوزارة البلديات ان احسن عمل نظافة الشوراع نسينا المدن الصناعيه التابعه لها ووزارة التجارة ان احسنت في مراقبة الاسعار والغش التجاري قلا عملها ممتاز بغض النظر في اللي حاصل مع هيئة مدنها الصناعيه, وهيئة الاستثمار ان اكثرت الدعايه على قناة العربيه نسينا انها الجزء الرئيس من المشكله, وشركة ارامكو ان انشرفت على انشاء جامعه او استاد رياضي نسينا تغولها الكبير
مصيبه هالتشتت, فعلا هيئة الجبيل وينبع الاقرب للوضع المأمول
اللهم اجرنا في مصيبتنا
تشخيص رائع لواقعنا الاداري. اليوم في الصحافة مجلس الشورى يدرس نظام الهيئة العامة للعقار وهذا سيحدث ازدواجية مع وزارة الاسكان.
اخي سليمان تشخيصك للمشكلة جميل جدا اتفق معك ان المشكلة جذرية لا ينفع معها تلميع او ترقيع للقشور ... اضيف الى ماتفضلت به ان غالبية مشاكلنا نعرفها ونعرف المقصر ولكن المشكلة الازلية هي الصبر عليها سنوات وسنوات حتى تتفشى بعدها لاينفع الحل مهما كان ... اقرب مثال : هيئة الاستثمار سنوات من الوعود لم تنفذ بل كل مانتج عنها مجرد تستر قانوني للعمالة