يبدو انه يوجد سوء فهم متبادل لوجهات النظر بين بعض الجهات المشرفة على الحج والعمرة وبعض الكتاب لدينا وفقا للزاوية التي ينظر كل منهما الى أداء فريضة الحج والعمرة. بعض الكتاب يرون ان الحجاج والمعتمرين يشكلون مصدرا من مصادر الدخل للبلد يجب تنميته والاهتمام به.
بينما بعض الجهات الرسمية ذات العلاقة بالحج والعمرة ترى انه لا ينبغي ان ينظر للحجاج والمعتمرين على انهم مصدر دخل للبلد لأن ما تصرفه الحكومة على ما يقدم للحجاج والمعتمرين من تسهيلات وخدمات أضعاف ما يصرفونه أثناء مكوثهم في البلد.
الحقيقة الواضحة – ليس فقط – للحجاج والمعتمرين بل لجميع من لديهم أدنى معرفة بأمور الحج أن ما تنفقه المملكة من أموال طائلة لراحة الحجاج والمعتمرين لا يهدف لتحقيق عوائد مادية للحكومة.
ولكن هذا لا يتناقض بتاتا مع وجهة نظر الكتاب القائلة بأن ما ينفقه الحجاج والمعتمرون لتلبية احتياجاتهم الشخصية للمسكن والطعام والشراب والخدمات التي يحتاجونها أثناء اقامتهم في الأراضي المقدسة، ثم ما يشترونه عند مغادرتهم من الهدايا والتذكارات (للتبرك واكتساب لقب الحاج) يعتبر – شئنا ام أبينا – مصدرا من مصادر الدخل للبلد.
لأنه – ببساطة – من المستحيل أن يعيش الحجاج والمعتمرون طوال بقائهم في الأراضي المقدسة من غير ان يصرفوا على أنفسهم، إلا إذا افترضنا ان جميع الحجاج مفترشون ومتسولون لا ينفقون نقودا داخل البلد.
لقد كانت المدينتان المقدستان مكة والمدينة وما حولهما من المدن والقرى تعتمد في معيشتها على دخلها من الحجاج والمعتمرين.
وكانت أكثر الأسر يسرا في معيشتها هم العاملون في الحج كالمطوفين والأدلاء والزمازمة والصيارفة ومن يساعدهم من أهالي البلد (لم يكن يوجد عمالة اجنبية).
وكان يكاد لا يوجد بيت من بيوت المدينتين المقدستين لا يؤجّر جزء منه للحجاج. كذلك كان الحج مصدرا (الى جانب الجمارك والزكاة) من مصادر ايرادات ميزانية الدولة قبل الطفرة.
بغض النظر عن صحة ما نشرته بعض الصحف بأن إيرادات الحج والعمرة بلغت 62 مليار ريال عام 2012 ومتوقع ان تبلغ 300 مليار ريال بعد عشر سنوات فإنه يجب ان يلاحظ ان هذه المبالغ – بوضعها الحالي – لا تفيد بل تضر الاقتصاد الوطني لأن المستفيدين هم فئة صغيرة تستخدم عمالة اجنبية تعيد اخراج هذه المبالغ الى الخارج وتتسبب في قطع ارزاق المواطنين الذين كانوا يسترزقون من هذه الاعمال في الماضي القريب.
اذن الذين يدعون الى تطوير وتنمية إيرادات الحجاج لا يعنون ان الدولة تهدف للحصول على عوائد مادية من تقديم خدماتها الى ضيوف الرحمن.
لكنهم فقط يطالبون بوضع خطة منذ الآن قبل فوات الأوان لتصحيح تدفق هذه الإيرادات المتنامية لتصب في الاقتصاد الوطني لا ان يستحوذ عليها فئة صغيرة تشغّل ايدي اجنبية تقطع ارزاق المواطنين وتعيد اخراج ما ينفقه الحجاج الى الخارج.
لا يمكن انكار الجانب الاقتصادي للحج والعمرة ولا يتنافى تحقيق المنافع الدنيوية مع الشعائر الدينية بل هي جزء من هذه الشعائر. قال تعالى: «ليشهدوا منافع لهم» وفسرها العلماء (منهم ابن عباس) بمزاولة التجارة والأسواق والربح.
إذن من باب أولى – بالقياس – إقامة صناعات خفيفة بمسمى: «صنع في مكة والمدينة» بأيد ومواد وطنية تلبي رغبات الحجاج والمعتمرين للهدايا والتذكارات وتوفّر وظائف للمواطنين.
نقلا عن جريدة الرياض
الكعبة باختصار وضعها الله لكي يستفيد منها ذرية اسماعيل وكل الطقوس من حج وعمرة غير ذلك معصية وخروج و معاكسة لإرادة الرب.