كل شئ محتكر يا معالي الوزير !

26/08/2013 11
محمد العمران

مع تولي معالي وزير التجارة الدكتور توفيق الربيعة لمسؤولياته كوزير للتجارة والصناعة، لاحظ الجميع وبوضوح حدوث تحوّل جوهري في جميع أنشطة الوزارة وخصوصًا ما يتعلّق بتفعيل الدور الرقابي الذي تلعبه الوزارة مشكورة في الرقابة على الأسواق والتجار والأسعار، وهذا بالتأكيد يسجل لمعالي الوزير الذي يواجه الآن معركة ضروسًا ضد أحد أهم التحدِّيات التي تواجه اقتصاد المملكة (إن لم يكن أهمها على الإطلاق) والمتمثلة «بالممارسات الاحتكارية» التي ينفذها بعض كبار التجار دون حسيب أو رقيب ومنذ عشرات السنين. 

فعندما ندقق حولنا، سنجد أن الأراضي البيضاء والإسمنت والحديد والأخشاب والمقاولات والدَّواجن والألبان والأغنام والموادّ الغذائيَّة والصيدليات والملابس (وقس على ذلك بقية القطاعات والأنشطة الاقتصادي في المملكة) كلّها «محتكرة» من قبل مجموعات صغيرة من كبار التجار الذين يتواصلون ويتفقون فيما بينهم على تحديد الأسعار أو على المناطق الجغرافية من خلال قنوات اتِّصال معلنة أو غير معلنة لخدمة مصالحهم الخاصَّة فقط، وهو ما تجرمه جميع دول العالم المتقدم في أوروبا وأمريكا نتيجة لتطبيقها معايير صارمة «للمنافسة الكاملة»، ولهذا السبب نجد أن هذه الدول المتقدِّمة لا تحتاج إلى تفعيل الدور الرقابي لأن آليات المنافسة هي التي تقوم بهذا الدور بالنيابة عنها. 

بالنِّسبة لنا، فبالتأكيد أن ما نحتاجه الآن هو تفعيل نظام المنافسة (بما في ذلك تفعيل العقوبات المغلظة) وبدعم مباشر من والد الجميع خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- للوصول إلى نفس المعايير المطبَّقة في دول العالم المتقدم وبالتالي نصل للهدف الإستراتيجي الأسمى المتمثل في «مراقبة الأسواق لنفسها بنفسها»، إلا أن المشكلة هي أن تحقيق هذا الهدف سيحتاج إلى سنوات طويلة من الكرّ والفرّ بين معالي الوزير والتجار المخالفين بسبب أن الممارسات الاحتكارية نشأت وترعرعت بيننا منذ عشرات السنين ومن الطّبيعي أن استئصالها سيحتاج إلى وقت طويل أيْضًا، ولذلك لا أدري حقيقة كيف لمعالي الوزير أن يواصل هذه المعركة الشرسة أمام المحتكرين وهو محدود بمدة تعيين لا تزيد عن أربعة أعوام إلا إن تَمَّ تمديد تعيينه وزيرًا لمدد أخرى. 

في الختام، أضحك كثيرًا عندما أتذكر حملة «خلوها تصدي» قبل عدَّة أعوام عندما اجتمع وكلاء السيَّارات تحت مظلة الغرفة التجاريَّة بجدة لتنسيق الجهود فيما بينهم والاتفاق على الأسعار، وأضحك أكثر عندما أرى مجلس الغرف التجاريَّة السعوديَّة في الرياض أو الغرف التجاريَّة المنتشرة في مناطق المملكة وهي تحتضن الاجتماعات الدورية (و حتَّى يومنا هذا) لشركات الإسمنت ولشركات موادّ البناء وللعقاريين وللمقاولين ولمؤسسات التَّعليم الأهلي ولتجار الذَّهب ولتجار التمور وغيرها، وأترك الحكم لك أخي القارئ الكريم في تخمين ما يحدث داخل هذه الاجتماعات وما يحدث خارجها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.