حملات الحج وأسعارها الجامحة

20/08/2013 1
فضل بن سعد البوعينين

اضطرت الحكومة السعوديَّة لخفض عدد الحُجَّاج والمعتمرين رغبة منها في تحقيق الأمن والسَّلامة لهم؛ بعد بدئها تنفيذ مشروع توسعة المطاف الذي قلّص من المساحة المتاحة للطائفين؛ والمصلين؛ بالرغم من إنّشاء الجسر المؤقت الذي خُصص؛ حتَّى الآن؛ لذوي الاحتياجات الخاصَّة. تنفق الدَّوْلة بسخاء على عمارة المسجد الحرام؛ وتوفير سبل الأمن؛ والسَّلامة؛ والراحة لضيوف الرحمن؛ احتسابًا للأجر والمثوبة منَّ الله الغني الحميد.

الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، أمير منطقة مكَّة المكرمة، طالب المسلمين في العالم بضرورة «تفهّم المرحلة الحالية من البناء والعمران في المشاعر المقدسة والمسجد الحرام» وأكَّد على أن قرار تخفيض نسبة الحُجَّاج والمعتمرين، «فرضته مشروعات التطوير». الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس؛ أكَّد أن «الضرورة الشرعيَّة والمصلحة العامَّة المرعية تقتضي تخفيض نسبة أعداد الحُجَّاج والمعتمرين بِشَكلٍّ مؤقت واستثنائي حتَّى يتم الانتهاء من المشروع العظيم وهو أمرٌ لا بُدَّ من اتِّخاذه واللجوء إليه خلال فترة التنفيذ».

أعتقد أن التركيز على أهمية القرار؛ أهدافه؛ مشروعيته؛ وإنعكاساته الإيجابيَّة على أمن وسلامة الحجاج؛ جاء على حساب مواجهة تداعياته الجانبية ذات العلاقة بسياسات التسعير لدى شركات الحج؛ التي لم تتفهم متطلبات المرحلة الحالية؛ ولم تستشعر الضرورة الشرعيَّة؛ التي يفترض أن تكون أول الداعمين لها. تداعيات القرار المرتبطة بارتفاع أسعار الحملات أضرت بحجاج الداخل وحَمَّلتهم أعباء إضافية؛ وتكاليف غير مبرّرة.

مجموعة من شركات الحجِّ (الحملات التَّقْليدية) كانت قد لوّحت؛ بُعَيد إصدار القرار؛ بخيار «رفع أسعار تكلفة الحجِّ بما لا يقل عن 50 في المئة» لتعويض نقص عدد الحُجَّاج القسري!. وزير الحج؛ «الدكتور بندر الحجار»؛ توعد « بإيقاع عقوبات على الشركات المخالفة، التي ستزيد في أسعارها هذا العام».

يبدو أن الشركات نفذت تهديدها بِكلِّ أريحية؛ ودون أن تواجه بأيِّ إجراء من قبل وزارة الحج؛ التي هدّدت؛ من قبل؛ وعلى لسان وزيرها باتِّخاذ إجراءات حاسمة ضد المخالفين!. غالبية شركات الحجِّ رفعت أسعارها بنسب تراوحت بين 35 و50 في المئة لتعويض الفاقد من ربحيتها المعتادة.

يمكن تصنيف نشاط غالبية حملات الحجِّ ضمن الأنشطة الموسمية، التي لا تستدعي وجود أصول ثابتة؛ أو عمالة دائمة؛ يمكن أن تتسبب في خسارة ملاكها في حال انخفاض العدد المخصص لها من قبل الوزارة؛ فهي تعتمد التشغيل الموسمي المرن أساسًا لنشاطها. شركات الحجِّ قادرة على تعديل حجمها وفق عدد الحُجَّاج المخصص لها؛ وهذا أمرٌ شائعٌ لدى جميع الشركات التي تعرَّضت من قبل لتقليص حصتها لأسباب تنظيميَّة؛ أو ربَّما زيادتها؛ ما حملها على إجراء ترتيباتها الموسمية وفق عدد الحُجَّاج دون أن يكبّدها ذلك خسائر مفاجئة.

أجزم بأن رفع حملات الحجِّ أسعارها جاء مرتبطًا بحجم الأرباح الواجب تحقيقها؛ بمعزل عن عدد الحُجَّاج وتأثيره في التكاليف. فهي لا تريد التنازل عن أرباحها المعتادة؛ ولا ترغب في تحمل مسؤولياتها؛ والمساهمة في التخفيف عن حجاج الداخل خلال مدة تنفيذ مشروع التوسعة. خفض عدد الحُجَّاج يفترض أن يُؤدِّي إلى خفض الأسعار كنتيجة مباشرة لانخفاض الطَّلب على خدمات الإيواء والخدمات المساندة الأخرى؛ بِشَكلٍّ عام في منطقة مكَّة المكرمة؛ ما يُؤدِّي إلى زيادة حدة المنافسة بين ملاك الفنادق والأبراج والشقق؛ وشركات المساندة؛ بغية تأمين حصتهم السوقية المعتادة من حملات الحجِّ الموسمية التي تعتمد نظام الاستئجار؛ والعقود الخدميَّة المؤقتة؛ لا التملك؛ والتشغيل الذاتي.

هناك فارق بين الخسارة المحققة؛ وتدنِّي حجم الربحية؛ ويفترض ألا تدعي شركات الحجِّ الموسمية تعرضها لخسائر محقِّقة ما لم ترتبط بالخسائر التشغيلية؛ بحيث يقل مجمل دخلها عن التكاليف الكلية؛ وهذا لم؛ ولن يحدث البَتَّة طالما أنَّها تعتمد الاستئجار؛ التوريد؛ التوظيف؛ والتشغيل المؤقت؛ والمرتبط بعدد الحُجَّاج المُعطى لها؛ قاعدة لعملها؛ مع بعض الاستثناءات المحدودة جدًا.

زيادة أسعار حملات الحجِّ لا يمكن تبريرها أو القبول بها؛ وأحسب أنَّها ستستمر مستقبلاً؛ وإن عاد حجم الحُجَّاج إلى ما كان عليه من قبل. فهل تتدخل وزارة الحجِّ لضبط أسعار الحملات الحالية والمستقبلية؛ كما تعهدت؛ أم أنّها ستلتزم الصَّمت كعادتها في كلِّ عام؟!. اقترح أن تخصص وزارة الحجِّ خطًا ساخنًا لتلقي شكاوى الحُجَّاج المتضررين من ارتفاع أسعار حملات الحج؛ مقارنة بتكلفة العام الماضي؛ وأن تلتزم بمعالجتها فورا؛ حماية لهم؛ وتنفيذًا لوعودها السابقة.

نقلا عن صحيفة الجزيرة