لماذا يحرق 63 عربياً أنفسهم؟

17/07/2013 10
مازن السديري

قام باحث اقتصادي من البيرو اسمه (هرناندو دي سوتو) بدراسة أحداث العالم العربي من زاوية سياسية واقتصادية لمدة عشرين شهرا، وكان أشد ما لفت نظره هو أن كل الثلاثة والستين شخصا كانوا يعملون بمهن حرة بعضهم باعة جملة، أو يمتلكون عربات في الشوارع لبيع الطعام أو سماسرة عقار يعتمد استهلاكهم على ما كسبوه في يوم عملهم بدءاً من (بوعزيزي).

وكان الباحث قد رصد عشرين حالة انتحار أخرى مماثلة في تونس، وتسعة وعشرين في الجزائر وخمسة في مصر، والباقي متوزع بحالة واحدة بين عدة دول عربية.

طبعا الاستنتاج الرئيسي للباحث هو أن الرغبة الرئيسية للشعوب والتي أدت للربيع العربي هي حق العمل والنمو وزيادة الدخل، والتخلص من الفقر ولكن الإعلام المؤدلج صوّر الأحداث على صورة البحث عن الحرية.. والحقيقة الأساسية هي البحث عن الرأسمالية، هؤلاء الذين أحرقوا أنفسهم يأسا قبلوا كل ألوان الاستبداد ولكن الأمر عندما يمس ممتلكاتهم المتواضعة فإنه يختلف.

أتذكر اقتصادياً صينياً يعد معارضا ولكنه مقيم في الصين وليس في المهجر يقول إن الصين قد تضع نقاطا على فئات تحاول التمرد او الاستقلال ولكن في المقابل ضع خطوطا رئيسية اذا تأثر دخل الفرد بشكل مربك.

يقول الباحث إن الحركات السياسية والتي ظهرت بديلة للأنظمة السابقة تركز على مفاهيم الحرية اكثر من محاولة فهم الواقع الاقتصادي لشعوبها مثلا مصر نسبة العاطلين 14% ومن الشباب 40% فهل معنى ذلك أنهم حقا لا يعملون ولو حدث ذلك لماتوا جوعا ولكن الحقيقة أنهم يعملون في ما يسمى باقتصاد (الظل) وهي الانشطة التي لا يعترف بها القانون ولا يرصد أنشطتها ومن أهم الأسباب القوانين الغبية والقديمة والتي لا ينظر لها السياسيون الجدد..

للمعلومية رصد هذا الباحث أنه لو أراد مصري عادي بسيط القيام بنشاط متواضع مثل (مخبز لصنع الخبز والمعجنات) فانه بحاجة لموافقة 29 دائرة حكومية مختلفة ومطابقة 215 مادة قانونية مختلفة، مثل هذه الانظمة سوف تدفع المجتمع للتلاعب ولمزاولة الكثير من أنشطتها في (الظل)، ومع ذلك حتى الان لا تفتح هذه الملفات.

طبعا الحرية ضرورة لرفع الشفافية وإبعاد اصحاب المصالح الخاصة ولكن هناك تيار يمتلك قنوات فضائية في الدول التي شهدت ثورات وكل قناة تصرخ ووسط هذا الصراخ تغيب الصورة الواضحة للتحديات والاحتياجات.. وفي هذه الحالة لا يحدث وعي جماعي بل تتعصب جماهرية كل تيار أكثر، ويزداد التباعد ويدخل في الاعلام قضايا شخصية وسب شخصي يضيع المصلحة العامة وتزداد الكراهية.

في الأخير الحرية لم تعد تؤخذ بل هي واقع يتضح ويتوهج أكثر مع تطور التقنية ولكن الإصلاح الاقتصادي هو تحدي الجميع في المنطقة، وهو مرهون بالتطور الاداري والقضائي والتعليمي..

نقلا عن جريدة الرياض