العامل النفسي بالقرار الاستثماري

03/07/2013 10
محمد العنقري

يعد العامل النفسي أحد ركائز التأثير بحياة الأفراد من حيث زرع الانطباعات أو توجيه القرارات والقناعات لديهم وتلعب عدة عوامل بالتأثير على نفسية الفرد أهمها عاملي الطمع والخوف لتتدخل بتوجيه أحدهما ما يبث من أخبار أو إشاعات أو تحليلات بشتى الطرق التي يمكن أن تصل لهم لتزرع ما هو مطلوب في نفسيتهم وتنعكس على قراراته وقناعاته.

ولكي تترسخ هذه الأخبار أو الإشاعات لديهم لابد من إطالة أمد المشهد العام السلبي أو الإيجابي حسب ما نوع التأثير المطلوب لكي يصاب الفرد بحالة من الملل أو التفاؤل المفرط وينجرف وراء حالته النفسية بمنطق عاطفي ويتوجه بقراره تبعا لذلك.

ولعل الاستثمار بالأصول عامة أو بالترويج التجاري يعدان أبرز القطاعات التي يلعب العامل النفسي دورا بالتأثير على الفرد نفسيا ليتجه وفق عواطفه لا تفكيره المنطقي بما يتخذه من اتجاه سواء بالبيع أو الشراء أو قبول المنتج التجاري.

وفي حالات واقعية تجد أن الأسواق المالية عندما تكون بمستويات منخفضة وتتقلب بعنف أو تأخذ مسارا جامدا عرضيا فإن الكثير يصاب بالإحباط ولا ينظر لقيمة الفرص المتاحة بل يسعى للتخلص مما لديه من استثمارات خوفا من الهبوط المستمر أو ثبات الأسعار لفترة طويلة ولعل ما حدث عند وصول السوق المالي السعودي إلى مستوى أربعة آلاف نقطة خير دليل إذ تولدت فرص بقطاعات قيادية وشركات رائدة وصل بعضها لمماثل القيمة الدفترية ولمكررات ربحية منخفضة جدا ولعائد فاق 15% على بعضها ومع ذلك كان كثيرون يرددون الأسعار ستنخفض أكثر وهنا يأتي تغييب لغة العقل الاستثماري الذي يرى الفرص ويقبل عليها فالمستثمر ينتظر الأسعار لتأتيه ولا يلهث خلفها إذا تسارع ارتفاعها وبالمقابل فإن السوق المالي عندما وصل إلى مستويات العشرين ألف نقطة كانت حالة التفاؤل سائدة والغالبية يرى أن السوق لن يتوقف عن الصعود وبدأت كل الأخبار عن السوق والشركات مهما كانت بسيطة تعطى قدرا كبيرا من الأهمية وكأنها ستجلب أرباحاً خيالية للشركة حتى لو كانت أخباراً إدارية عادية أو روتينية وانطبقت نظرية الأغذية المتبادلة على العموم في حالتي الانهيار والصعود الجامح فلون الشاشة هو ما كان يوجه قرارات المتداولين بيعا مع اللون الأحمر وشراءً مع اللون الأخضر.

وهذا الأمر ينطبق على التجارة بكل الأصول فالعقار يغلف دائما بعبارات رنانة مثل الابن البار وتسود الأخبار الإيجابية وتنهمر سيولا من التحليلات والتبريرات التي تصب في اتجاه إقناع الناس أن الأسعار إلى صعود مستمر ولن تنهار أبدا فيما لو راجع أي فرد نفسه وعاد للفترة التي كان السوق العقاري خاملا فيها والأسعار متدنية لم يكن هناك من ينبههم على الفرصة الاستثمارية فيه فكان يقال عند القاع السعري إن الأراضي كثيرة والآن بعد تحليق الأسعار أصبح الرائج أن الأراضي شحيحة والكثير من العوامل التي تخدم الإقناع بعدالة الأسعار وإنها إلى ارتفاع لن يتوقف.

وينطبق الأمر على الترويج للاستثمار بالذهب فعند وصوله إلى أسعار فاقت 1900 دولار كان يقال إنه متجه إلى ثلاثة آلاف دولار للأونصة إلا أنه تراجع بعنف وحقق بالفترة الأخيرة أسوأ أداء منذ تسعين عاما وسقط إلى مادون 1200 دولار للأونصة ولا تختلف أسواق السلع والعملات وغيرها عن هذه الحالات من الاتجاهات وتتطابق فيها حالة التأثير النفسي على المتداول فيها بحسب مصالح كبار المدراء لها فقبل أكثر من عشر أعوام عندما كان الذهب بالقرب من مئتي دولار للأونصة كان يقال إن الذهب سيكون خردة ولا قيمة له بالتحوط والملاذ الآمن وإن البنوك المركزية الكبرى ستتخلى عنه كأحد احتياطياتها وبالمحصلة حقق عشرة أضعاف ارتفاعا في عشر سنوات.

القرار الاستثماري من أهم عوامل صحيته أبعاد التأثير العاطفي النفسي عنه والمراجعة للأسعار على مدى خمس إلى عشر سنوات على الأقل ليتبين للفرد حقيقة حركته وكم حقق الأصل المراد استثماره من ارتفاع أو انخفاض ثم مقارنته بالعوامل الأساسية كالعائد والمكرر وأسعار الفائدة ومستقبل الأصل الاستثماري والعديد من العوامل المعروفة بتقييم الاستثمار لكن يبقى أبعاد التأثير النفسي ومغذياته عن قرارك الاستثماري أحد أهم الركائز التي من خلالها تبني توجهك بمنطق عقلية المستثمر الذي لا تتحرك عواطفه بتحديد قراره بل عقله بناءً على قواعد الاستثمار المعروفة.

نقلا عن جريدة الجزيرة