استكمالا لما تم التطرق إليه في المقال السابق، إن ضرورة إعادة تقييم الاستثمارات وفقا للقيم العادلة لتلك الاستثمارات يعد في الواقع مطلبا ملحا لردم الفجوة وتقليل الاختلافات بين المعايير المحاسبية الدولية والمعايير المحاسبية الأمريكية فيما يتعلق بمتطلبات التقييم والإفصاح للاستثمارات في الأصول والأدوات المالية، وبالتالي زيادة جودة التقارير المالية وتسهيل عمليات المقارنة لأداء الشركات في مختلف أرجاء المعمورة.
حيث ينص التعديل الجديد للمعيار المحاسبي الدولي أنه يسمح للشركة التي تستخدم المعايير المحاسبية الدولية في حالة رغبتها وبدون إلزام إعادة تصنيف وتقييم استثماراتها في الأصول والأدوات المالية وفقا للقيم العادلة لتلك الاستثمارات بناء على نماذج التقييم التي تستخدمها إدارة الشركة بدلا من استخدام السعر السوقي لتلك الاستثمارات. إلا أن التعديل الجديد للمعيار المحاسبي الدولي اشترط أنه في حالة إقدام الشركة على إعادة تصنيف وتقييم استثماراتها في الأصول والأدوات المالية فإن عليها ضرورة الالتزام بمتطلبات إفصاح وشفافية إضافية.
كما أن السماح للشركات بإعادة تصنيف وتقييم استثماراتها في الأصول والأدوات المالية يأتي استجابة لتداعيات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية التي عصفت بالأسواق المالية العالمية والتي لا نزال نعيش تبعاتها. ولذا فإنه لا يزال ينظر لأداء الشركات خلال هذه الفترة كحالة خاصة واستثنائية بسبب الظروف والأحوال النادرة وغير الطبيعية التي تعيشها الشركات في مختلف الدول.
والواقع أن الاستثمار بالأوراق المالية قد شهد تطورا كبيرا ونقلة نوعية في السنوات القليلة الماضية، وذلك بسبب أن الأصول المالية قد تعطى لمالكها الحق في الحصول على ما يشاء من السلع والخدمات المعروضة في الاقتصاد. ومع اتساع حجم المبادلات والقابلية للتداول للأصل المالي، ازدادت أهمية الاستثمار بالأصول والأوراق المالية . مما أحدث قفزات كبيرة في مكونات الاقتصاد المالي على حساب الأصول الحقيقية وذلك من خلال التوسع باستخدام ما يسمى بالمشتقات المالية والتوريق، وهذا التوسع بالطبع جاء على حساب الاستثمار بالقطاعات الاقتصادية الحقيقية والانتاجية.
إلا أنه يجب التأكيد على أن للتوسع في الاستثمار في الأوراق والأصول المالية تأثيرات سلبية على الشركات المستثمرة إذ قد تؤدي إلى إحداث تقلبات كبيرة في إيراداتها المحققة نتيجة إعادة تقييم الاستثمار في تلك الأوراق المالية. كما أن للتوسع في الاستثمار في الأوراق والأصول المالية تأثيرات سلبية ليس فقط على المتعاملين وعلى السوق بل على أداء الاقتصاد الحقيقي ككل، إذ قد يؤدي إلى توجيه الفوائض المالية لدى الشركات وكذلك مدخرات الأفراد المتعاملين إلى مسارات المضاربة المحمومة وغير المنضبطة وذلك من خلال استغلال ظروف السوق وعمليات المضاربة لتحقيق أكبر عمليات لجني الربح دون أدنى مراعاة لبقية المتعاملين بالسوق!!
نقلا عن جريدة اليوم