إذا افترضنا أن نظام «الكفيل» المعمول به في السعودية منذ نحو خمسة عقود، أنها كانت إحدى التجارب لمعرفة انعكاساتها على سوق العمل وتأثيراتها على اقتصاد البلد، فما التقويم المتوقع لهذا النظام، وهل يمكن أن نعتبره نظاماً ناجحاً حقق الهدف المطلوب، ما يجعلنا نستمر فيه ونتمسك به ونتقدم لسنوات أخرى، ونعتبره أحد الحلول المناسبة لمستقبل عمل الوافدين.
إذا كانت الجهات الحكومية ترى أنه حقق لها رؤيتها وأهدافها، فماذا خسر الاقتصاد السعودي من نظام الكفيل بعد خمسة عقود؟
بعد هذه العقود يمكن أن نلخصها في الآتي: نشطت سوق الاتجار بالبشر، إغراق السوق بالعمالة الرخيصة والأمية، هروب العمالة من كفلائها والعمل في أماكن أخرى، التستر التجاري، ظهور جرائم جديدة، سوق سوداء للتأشيرات، إفساد سوق العمل، وفتح باب الرشاوى في الإدارات والمؤسسات الحكومية والأهلية للتجديد أو نقل الكفالة بطرق غير مشروعة، وهناك طابور طويل من السلبيات التي انعكست إيجاباً على الاقتصاد السعودي،وبحسب تقرير وزارة التجارة بيّن أن هناك ثروات طائلة يتم تحويلها إلى الخارج تخطت الـ 140 بليون ريال «30 بليون دولار» في العام، ففي ذلك عملية سحب للسيولة من السوق تسهم بأضرار اقتصادية كبيرة، هذا فضلاً عن كونها ضارة بالتجارة الداخلية لوجود منافسة غير شريفة من الوافدين مع السعوديين.
وبالنسبة لحالات التستر التجاري، تشير الإحصاءات الأخيرة لوزارة التجارة إلى أن قطاع المقاولات يحتل نسبة 43 في المئة من قطاعات التستر التجاري، ثم السلع الاستهلاكية 19.2 في المئة، والتجارة العامة 16 في المئة،والسلع الغذائية 8 في المئة، وأعمال أخرى 15.8 في المئة، ويحتل العرب المرتبة الأولى في ممارسة الأنشطة التجارية بواسطة التستر التجاري بنسبة 50 في المئة، يليهم الآسيويون بنسبة 28 في المئة.
السؤال الذي يفرض نفسه، هل بعد كل هذا نتمسك بنظام «الكفيل»، لقد شوه سمعتنا في جمعيات حقوق الإنسان، ووضعنا في قائمة المشبوهين في الاتجار بالبشر، وقضى على الأخضر واليابس من اقتصادنا، وأسهم في تحويل عملاتنا المحلية إلى الخارج، كيف لم تتيقظ الجهات المعنية إلى كل هذه المشكلات، بل إنها تحملت الكثير من أجل أن تثبت لنا أن نظام الكفيل هو الأضمن والأصلح.
مرت السعودية بتجربة منح إقامات بلا كفيل، وذلك مع الأخوة اليمنيين، وهذه التجربة كانت ناجحة ولم نر أي مشكلات، بل كانت السوق مفتوحة، وحينها انتعشت تجارة الأخوة اليمنيين في قطاع التجزئة والخدمات والأعمال المهنية، وهذه التجربة توقفت بعد حرب الخليج، وكنا ننتظر تطبيق التجربة مع جنسيات ودول أخرى تدريجياً حتى يتم إلغاء نظام «الكفيل» واستبداله بإقامة بلا كفيل، كما هو معمول في كثير من الدول، وإذا كان غير موجود كنموذج ناجح، فلا يمكن أن نستمر على هذه الحال، لابد من التفكير والتخطيط للبحث عن البديل، أما أن نستمر في إصدار الوعيد والتهديد وخلق أنظمة وقوانين فقط من أجل أن تصدر في الصحف وتلقى على وسائل الإعلام،فهذا لن يفيد ولن يقوِّم الاعوجاج الذي خلفه نطام الكفيل، ومع مرور السنوات سيكون من الصعب التعامل مع ما يزيد على 12 مليون مقيم في السعودية.
قبل أسابيع بدأت الجهات الحكومية في تصحيح أوضاع الجالية البرماوية المقيمة في السعودية، وتحديداً في منطقة مكة المكرمة، وشكلت لجنة لحصرهم والتثبت من أوراقهم، ويجب أن نعترف أن أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، كانت له جهود مضنية لأن يرى هذا المشروع الإنساني النور، بعد أن بقي سنوات طويلة معلقاً.
وهذه الفرصة مناسبة لتجربة منح إقامات لهؤلاء بلا كفيل، وإعادة التجربة من جديد، خصوصاً أن الأخوة البرماويين يقيمون مثل غيرهم من الجنسيات في السعودية منذ عقود، وهناك جنسيات أخرى تقيم معنا مثل الفلسطينيين والأفغان والأفارقة، لا يمكن مقارنتهم بعمالة مستقدمة ـ
بل إنها جاليات مقيمة وفق ظروف بلدانهم وتفهم السعودية لهذه الظروف، إنما تصحيح أوضاعهم مطلب مهم،والأصل هو تصحيح أوضاعهم بمنح إقامة نظامية حتى يتمكنوا من العمل والسكن بطريقة نظامية وليس البحث عن كفيل، وتحويل هؤلاء الجاليات إلى نظام الكفيل، سوف يعيدنا إلى المربع الأول، وهو برنامج نطاقات،والإجراءات غير المشروعة لتجديد الإقامات أو نقل الكفالات، وسنعود للموال نفسه.
موضوع إلغاء الكفيل وإيجاد البديل بالنسبة لمنح الإقامات هو مشروع أمني اجتماعي، يحتاج أن يُدرس من أعلى المستويات وليس من إدارة فردية أو جهة حكومية صغيرة ولا حتى وزارة، بل يجب أن يبحث على مستوى مجلس الاقتصاد الأعلى، ومجلس الشورى، فقد عانينا أعواماً طويلة من نظام الكفيل، والآن من المهم أن نبحث عن طرق أخرى وبدائل بما يحقق التنمية الاقتصادية... صدقوني لو تمت مناقشة هذا الموضوع بجدية من دون تعاطف ولا مصلحة، سيتعافى الاقتصاد السعودي من الكثير من الأمراض التي يعاني منها.
في ظني أن الاقتصاد السعودي ونظام الإقامة والكفيل بحاجة إلى تصحيح وقرار شجاع وحاسم، ويجب ألا نركن إلى التصريحات والتعليقات المحبطة التي لا تحفز على خوض التجارب، فمثلما فشلنا كل هذه الأعوام لضبط نظام الكفيل، فلا يمنع أن نجرب الإقامة بلا كفيل.
قرابة ٦٥٪ من الأيدي العماله في القطاع الخاص (حسب تقرير مؤسسة النقد السعودي) في قطاع التعمير و الجملة و التجزءه، قطاعين لا يرغب فيهم السعودي،،،لو 'جنست' الأجانب بأليه مشابه لدول العالم الأول لسعودت أكثر من نصف القطاع الخاص!!!
الجملة والتجزئة لو تخلصت من الأجانب سيصبح مجال جذاب للسعوديين لأن الرواتب بتكون عالية مثل رواتب هذه الوظائف باوروبا وامريكا. السعودي غير راغب برواتب العمالة الرخيصة فقط... فالمشكلة ليست عدم رغبته بالقطاع نفسه. لكن التجار لا يريدون الاعتراف بهذا لأنه يرغب بعامل اجره قليل جدا ويجبره على العمل 18 ساعة باليوم وبدون اجازات.