جرَّت حادثة نقل دم ملوث إلى الطفلة رهام سيلا كبيرا من النقد لأداء وزارة الصحة.
مشكلة الأداء هذه مثال لمشكلة أداء أجهزة حكومية عديدة.
خلل انخفاض كفاءة أداء الإدارات الحكومية وضعفه حكم عام، ولا يخل به وجود استثناءات. إن تحسين أداء الجهاز الحكومي متطلب ومكون أساسي من متطلبات تنمية الاقتصاد ومكوناتها.
ما برح الناس متسائلين عن تدني أداء أجهزة الحكومة وإنتاجيتها، رغم توجيهات ولي الأمر وميزانية إنفاق بمئات المليارات. لو طلب من أي مواطن أن يقارن بين أداء أجهزة الحكومة وأداء شركة حكومية أو شبه حكومية، لقال لك إنه لا وجه للمقارنة؛ فأداء شركات الحكومة (رغم ما فيه من نقص) أفضل كثيرا من أداء أجهزة الحكومة. وأتوقع أن جمهور الناس يرون مشكلة كبرى في الإدارة الحكومية.
''أرامكو السعودية''، مثلا، أفضل في إدارتها من أجهزة الحكومة. فعلام الثنائية الصارخة بين أداء أجهزة الحكومة وأداء شركاتها؟ لماذا كان المملوك أفضل من المالك في الأداء والعمل؟
مشكلة إمكانات مادية؟ بالتأكيد لا. محسوبية؟ انضباط؟ سياسات توظيف مسؤولين وتدريبهم واختيارهم؟ إجراءات وسياسات وأدلة عمل؟ هذه أمثلة لأساس المشكلة، والسؤال ''إذا كانت الحكومة مقتنعة بأن قلة المحسوبية وارتفاع الانضباط وجودة التوظيف والتدريب واختيار الموظفين وبخاصة كبارهم، والتطوير وأدلة العمل والإجراءات في شركاتها هي أسباب جوهرية في نجاح هذه الشركات، فلماذا لا تطبق الحكومة الأمر على نفسها، أي على أجهزتها؟ من يعلق الجرس؟''.
توجد في كل وزارة ـــ حسب علمي ـــ إدارة تحت مسمى ''التطوير الإداري''، لكنها إدارات محدودة القدرات والسلطات، ولا توجد جهة مركزية لديها القدرات والصلاحيات الكافية لتطوير أو إعادة بناء الإدارة الحكومية، والعمل على متابعة أداء الأجهزة الحكومية وتقييمه.
هناك معهد الإدارة العامة، لكن المعهد تغلب عليه مهمة التدريب، وتنقصه الصلاحيات والموارد البشرية المؤهلة الكافية لإحداث تطوير إداري نوعي.
هل علاج أو الحد من هذه المشكلة وغيرها من مشكلات الإدارة الحكومية مؤسسيا يكمن في إحداث وزارة للتطوير أو التنمية الإدارية الحكومية؟ مع القناعة بأهمية الجانب المؤسسي في عملية التطوير، فإنها لا تكمن بالضرورة في استحداث وزارة أو جهاز مستقل، بقدر ما أنها ترجع إلى توفير تنظيم كفء للإصلاح أو التطوير الإداري، تتوافر فيه المهارات وآليات العمل، مقرونة بتوافر الصلاحيات الكافية. ومن جهة أخرى، فإن استحداث تلك الوزارة سيتسبب في تضارب مصالح واختصاصات مع أجهزة حكومية أخرى.
مشكلة أداء الجهاز الحكومي تعبير وانعكاس، في نظري، لخلل أداء ثلاثي الأوجه: خلل بنية مؤسسية حكومية وخلل أفراد بعينهم وخلل بنية ثقافة مجتمع.
كيف تعدل هذه البنية؟ كيف نوجد ثقافة أحد أهم مكوناتها مكافأة المخلصين الجادين في العمل ومساءلة المقصرين المتهاونين ومحاسبتهم ومعاقبتهم وفقا لأنظمة ولوائح واضحة ومعلنة للجميع ويتم تطبيقها على الجميع من دون محاباة لأحد؟
متى نبني ثقافة المساءلة، سواء كان الشخص وزيرا أم موظفا صغيرا؟ كيف نطوّر الثقافة الإدارية والتنظيمية داخل أجهزة الحكومة؟ بل كيف نزرع هذه الثقافة في مجتمعنا؟ في أولادنا؟
هذه أسئلة تطرح مشكلات حلولها تشكل أكبر تحد إداري يواجه الحكومة والمجتمع عامة، وبالله التوفيق.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع