«ينبغي أن تقوم الدولة بتوفير أراضٍ ومساكن للمواطنين»
«ينبغي أن تتدخل الدولة لإجبار البنوك على الإقراض»
«ينبغي أن تتدخل الدولة لكبح جماح الأسعار»
«ينبغي أن تتدخل الدولة لمكافحة جشع التجار»
«ينبغي أن تتدخل الدولة للحفاظ على مستويات أسعار الأسهم من الهبوط»
«ينبغي أن تتدخل الدولة لضمان حق المواطن في العمل»
«ينبغي للدولة أن توفر فرصا استثمارية لرجال الأعمال»
....ينبغي، ينبغي، ينبغي، وينبغي!
كل ما أقوله إني أحمد الله أني لا أعمل في الدولة ولم يسبق لي المساهمة في صنع القرارات فيها. لأنه لو كان لي أي دور في ذلك لأصابني المس من كثرة الأمور التي «ينبغي» لي القيام بها والتدخل فيها، ولتشتت ذهني بينها.
للأسف بعض أفراد المجتمع مصابون بآفة وهي الاتكالية، فكل ما يتمناه المرء يكتفي فيه بالمطالبة بأنه «ينبغي للدولة أن...» ومن ثم ينتظر الفرج من هذه الدولة المثقلة بالمطالب، دون أن يترجم هذه الأمنيات إلى أفعال ومبادرات يمكنه هو القيام بها بمفرده أو بمساعدة الآخرين دون الحاجة للدولة. كما أن هذا التوجه يتسم بقدر عالٍ من (الوصائية)، وهو الاعتقاد أن الحكومة بمثابة الوصي على أفراد الشعب كافة والراعي لمختلف مطالبهم وشؤونهم. ولكن المعلوم أن الوصاية تكون في العادة للقاصر أو المجنون. ولا أعتقد أننا مجتمع قُصًر أو مجانين.
أرجو ألا يفهم القراء الأعزاء أني من أولئك الذين يؤمنون بكفاءة الأسواق المطلقة، وأن لا دور للحكومة قط. ولكني كذلك لست أؤيد الاتكالية المطلقة من ناحية أخرى بتعليق كل شيء على شماعة الدول. فمن الأولى أن يبدأ المرء بأي شيء بالنظر في نفسه والسؤال عما يمكنه البدء بتغييره في نفسه وعائلته ومجتمعه قبل مطالبة الدولة بالتدخل فيه.
فكيف يقول الشخص: ينبغي للدولة أن تتأكد من نظافة الطرقات والمرافق العامة، إذا لم يكن مستعداً لإماطة الأذي عن الطريق بنفسه؟ وكيف يقول الشخص: ينبغي للدولة أن تعمل على الحفاظ على مستويات الأسهم من الهبوط، إذا كان هو دخل في سوق الأسهم في قمتها ودون أن يكون له أي معرفة أو دراية بما هو مقدم عليه؟ وكيف يقول الشخص: ينبغي للدولة تحسين المدارس ونظام التعليم، إذا كان لم يسبق له أن تفاعل مع مدرسة أبنائه، بل لم يحضر أيا من اجتماعات أولياء الأمور التي تعقدها؟
لذا ونظراً لما سبق، فإني أوصي القراء الأعزاء بالنظر لأنفسهم ليس كمجرد مشاهدين أو متفرجين على ساحة القرارات والأحداث، بل كصانعين لها ومساهمين فيها بأفعالهم ومجهودهم. فمتى ما وجدوا شيئاً «ينبغي للدولة فعله» أو «ينبغي للدولة التدخل فيه»، يجب أن يسألوا نفسهم أولاً: «هل هناك شيء بإمكاني أنا أن أقوم به؟» بالطبع هناك حالات لا يكون للمرء يد فيها أو قدرة على تغييرها، ولكن هناك حالات عديدة أخرى بإمكان المرء المبادرة فيها بمفرده وبمجهود منه. أما إذا كانت وجهة نظرك «أنا ماني فاضي» أو «ما عندي وقت»، فإن لم يكن لديك الاستعداد للبدء بنفسك فلا تستبعد من الدولة أو غيرها أن تبدأ بغيرك.
وفي هذا الصدد، من البوادر التي أثلجت صدري مبادرة أطلقتها مجموعة من الشباب والشابات أخير تحت أسم (السعوديون الخضر). هؤلاء الشباب كانوا يشتكون من غياب النظافة في طرقاتنا ومتنزهاتنا، ولكن بدلاً من أن يكتفوا بحديث المجالس عن «ينبغي للدولة أن...» فكروا فيما ينبغي لهم هم فعله فنظموا عديدا من الرحلات لتنظيف الطرق والمنتزهات في مناطق مختلفة. وهذه المبادرات أقوى من أي مطالبة.
عسى الله أن يوفقنا وهؤلاء الشباب لأن نبدأ بالتغيير بأنفسنا قبل أن نطلبه من غيرنا.
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).