الطاقة المتجددة لا تطعِم ولا تلبِس... ولكن

30/01/2013 8
د.أنس الحجي

يتجاهل المعادون للنفط دوره في حياة البشرية، وأن الطاقة المتجددة التي يحاولون إحلالها مكان النفط، خصوصاً طاقتا الشمس والرياح، لن تؤمّن المأكل والملبس والدواء وآلاف المنتجات التي نستخدمها في شكل شبه يومي. وفيما يذكر أعداء النفط الوفيات والأمراض الناتجة من التلوث البيئي الناجم عن إنتاج النفط واستخدامه، يتجاهلون دور المواد النفطية في إطعام البلايين من البشر خلال السنين المئة الماضية وبالتالي في تجنب موت الملايين من البشر جوعاً.

وللمنتجات النفطية دور رئيس في الحضارة، وأهم دور لها، بحسب تقرير صدر أخيراً من معهد «كاتو» الأميركي، أنها خففت من أثر التقلبات المناخية في إمدادات الغذاء، بفضل المواصلات التي أمّنها النفط حتى في أكثر المناطق تأثراً بهذه التقلبات. وفيما ساهم الفحم في حماية الغابات، والمواد النفطية في تأمين الغذاء الرخيص للبلايين من البشر عن طريق تأمين الأسمدة، أدى الوقود الحيوي إلى عكس ذلك تماماً، فهو عزز قطع أشجار الغابات لزراعة الأراضي بقصب السكر لإنتاجه، وتحول الزراعة الأميركية إلى إنتاج الذرة لإنتاج الإيثانول، الأمر الذي سبب أزمة عالمية على صعيد أسعار الغذاء.

ويعود العداء للوقود الأحفوري إلى سببين، الأول بيئي جراء التلوث الذي يسببه إنتاج مصادر الطاقة الأحفورية واستهلاكها، والثاني سياسي بسبب العداء للعرب ونفطهم. وكلا السببين مرفوض لأسباب كثيرة، على رغم عدم إمكانية إنكار الأثر البيئي للوقود الأحفوري والأسباب السياسية. لكن الفارق بين النظرة المعادية للوقود الأحفوري والنظرة المؤيدة له، يكمن في الإطار الزمني. فالمعادون للنفط، سواء من الناحية البيئية أو السياسية، ينظرون إلى الأمور من خلال ثلاثة عقود أو أربعة، لكن ماذا إذا نظرنا إلى الموضوع خلال 200 أو 300 سنة؟

سنجد أن الفحم أنقذ «رئة العالم» وبالتالي البشرية لأن توافر الفحم منع الناس من استئصال ما تبقى من غابات. وجاء النفط لينقذ الحيتان، التي تعد جزءاً أساسياً من نظام البحار، ولو لم تكن هناك حروب من أجل النفط لكانت هناك حروب من أجل صيد الحيتان. وعممت وفرة النفط استخدام المركبات التي ساهمت في تحسين البيئة، مقارنة بما كانت ستؤول إليه الأرض لو استمر استخدام الدواب في النقل مع ما يرافق ذلك من نمو في عدد الدواب وكميات العلف، ناهيك عن الروث وما يرافقه من غاز الميثان المضر بالبيئة.

وثمة فارق آخر بين النظريتين، فالرافضون للوقود الأحفوري ينظرون إليه على أنه وقود يحرق في السيارات والمصانع، بينما يعتبره المؤيدون مصدراً لآلاف الأشياء التي نستخدمها أو نأكلها يومياً. والحقيقة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها مفادها بأن توافر الطاقة الأحفورية في شكل كبير صاحبه نمو سكاني هائل، ونمو كبير في المداخيل، وتحسن في الرفاهية في مختلف أنحاء العالم، فيما كانت نسبة من ماتوا بسبب الأمراض والأوبئة والمجاعة الأقل في التاريخ.

ويشير تقرير معهد «كاتو»، الذي كتبه الباحث إندور غوكلاني، إلى أن معدل الحياة المتوقعة للفرد تضاعف مرة بين 1750 و2009، بينما تضاعف عدد سكان العالم ثماني مرات، وزاد الدخل بمعدل 11 مرة. ويلفت إلى أن السبب الرئيس في هذه التطورات هو الوقود الأحفوري. فالسماد المستخرج من مادة النيتروجين الصناعية، مسؤول عن إطعام 48 في المئة من سكان العالم، بحسب بيانات 2008. ويذكر الباحث أن 60 في المئة من المواد الغذائية مصدرها الوقود الأحفوري، و60 في المئة من النسيج المستخدم في الملابس مصنّع من مواد نفطية، وحتى الكمية الباقية من الأقمشة تأتي من نباتات تحتاج إلى سماد تأتي غالبيته من الوقود الأحفوري.

ولولا الوقود الأحفوري، لكان العالم في حاجة إلى زيادة الأراضي اللازمة لإنتاج المحاصيل الزراعية بأكثر من 150 في المئة، ما يعني تحويل كثير من الغابات إلى أراض زراعية، وقد يؤدي إلى تغيرات مناخية كبيرة. ويقدر مؤرخون، أن استبدال الفحم في بريطانيا بالحطب، لو حصل، لما بقي حطب كاف في بريطانيا عام 1850، حتى لو قطِعت الأشجار كلها. ولعل أكثر الأفكار إثارة في ما كتبه غوكلاني هو دور الوقود الأحفوري في تعزيز المعرفة، عن طريق تأمين الإضاءة على نطاق واسع وعدم اقتصار تحصيل المعرفة على النهار فقط. فهذه المعرفة ساهمت في تحسين وضع العالم ككل في كل المجالات.

طبعاً السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: ماذا لو انتهى الوقود الأحفوري؟ كل المعطيات الحالية تشير إلى أن الوقود الأحفوري سيستمر لفترة طويلة من الزمن، لا يعلم نهايتها أحد، وعلينا أن ننظر إلى النفط والغاز، نظراً إلى مساهمتهما في الغذاء والملبس والمسكن، على أنهما نعمة، مثلهما مثل المطر. أما مصادر الطاقة الأخرى، فهي بديلة بمعنى أنها قد تؤمن موارد لإنتاج مزيد من الغذاء والدواء والملبس والمسكن. من هذا المنطلق، نجد أن مصادر الطاقة الأخرى ضرورية، ليس من وجهة مصادر الطاقة فقط، وإنما من وجهة الحياة اليومية ككل. وكل ما علينا أن نفعله هو إيجاد طريقة مثلى لاستخدام هذه الموارد.