يُقصد بتعديل سعر السهم بعد انتهاء فترة أحقية الأرباح قيام الجهة المسؤولة عن بث أسعار الأسهم بعمل تعديل للأسعار التاريخية للسهم ليعكس الواقع الحقيقي لسهم الشركة، حيث إن عدم القيام بذلك يخل بالأسعار على ثلاثة مستويات: على سعر الشركة، وعلى مؤشر القطاع، وعلى المؤشر العام للأسهم. فيما يلي سنتطرق لطبيعة هذه المشكلة ومدى أهميتها، وكيف قامت الأسواق المالية بالتعامل معها، وما يجب على السوق السعودية عمله.
أساس المشكلة أنه في اليوم التالي لأحقية توزيع الأرباح يهبط سعر سهم الشركة بمقدار الربح الموزع؛ وذلك نتيجة طبيعية لخروج جزء من أصول الشركة، في شكل مبالغ نقدية، من الشركة إلى المساهمين. ويتم هذا الهبوط في السعر تلقائيًا دون تدخل من "تداول"؛ لأن من سيشتري السهم بعد الأحقية يدرك أن سهم اليوم ليس مثل سهم الأمس، فيطلب السهم للشراء بسعر يقل عن سعر إغلاق اليوم السابق بمقدار الربح الموزع. وكي تكون الصورة أوضح، نأخذ مثالاً لشركة أغلق سهمها عند 20 ريالاً، واجتمعت الجمعية العامة للشركة في مساء اليوم نفسه لإقرار توزيع أرباح بواقع 1.50 ريال للسهم. فالذي يحصل في صباح اليوم التالي أن يأخذ المتعاملون في حسبانهم انخفاض سعر السهم بمقدار 1.50 ريال، فتبدأ عملية صيانة الأوامر على هذا الأساس. وهنا العملية طبيعية وليس مطلوبًا من "تداول" التدخل في ذلك، لكن المشكلة أن "تداول" ستعامل السهم على أنه منخفض عن اليوم السابق بنسبة 7.5 في المائة (1.50 ريال من 20 ريالاً)، على فرض ثبات التغيرات الأخرى.
قد يقول قائل "وما المشكلة في ذلك؛ لأن السهم فعلاً انخفض بهذه النسبة، بل إن القيمة السوقية للشركة ككل انخفضت، وأصولها نقصت عن الأمس، فلماذا لا يُعكس ذلك في السعر مرة أخرى؟"، لا اعتراض على ترك سعر السهم يتحرك حسب قوى العرض والطلب وينخفض إلى 18.50 ريال في هذا المثال، لكن المطالبة هي أن تحسب نسبة تغير السعر عن اليوم السابق بطريقة صحيحة لا تربك المتداولين ولا تؤثر في قراءات المحللين الفنيين، ولا في البرامج التي تعمل على قراءة أسعار الأسهم والمؤشرات، وتتصرف بناءً على نسب التغيرات اليومية، ولا على حقيقة المؤشرات التي ترصد النشاط الاقتصادي في البلاد. أضف إلى ذلك، أن نسبة المتعاملين من الأفراد في السوق السعودية تزيد على 90 في المائة من المتداولين، وهم أفراد تتفاوت معرفتهم بالسوق وآلية عملها؛ ما يجعل بعضهم يتخلص من أسهمه ظنًا أن هناك بيعًا جائرًا لسهم يملكه، ما قد يؤدي إلى مزيد من البيوع وهبوط السهم بشكل غير مبرر. كما أن الرسوم البيانية لأسعار أسهم الشركات تظهر فجوات سعرية خاطئة بعد الأحقية؛ الأمر الذي يربك المحلل الفني ويقوده إلى اتخاذ قرارات خاطئة. إضافة إلى ذلك، هناك كثير ممن لديهم أوامر إيقاف للخسارة مبنية على نزول سعر السهم بنسبة معينة، مثلاً أشخاص يقررون الخروج يدويًا أو آليًا من السهم عندما ينخفض سعره بنسبة 5 في المائة عن اليوم السابق، وبذلك قد يبيعون أسهمهم خطأ في هذه الحالة. وما يضاعف حجم المشكلة أن كثيرًا من الشركات السعودية تمنح أرباحًا موزعة بنسب عالية، أهم أسبابها أن نظام الشركات يشترط ألا تقل الأرباح الموزعة عن 5 في المائة من رأس المال. فكلما زاد مقدار الربح الموزع زادت حدة المشكلة في عدم تعديل الأسعار.
المشكلة لا تقف عند سعر الشركة، بل تتجاوزها لتحدث خللاً في تسعير المؤشر العام للأسهم. يتم ذلك بسبب أن المؤشر العام يأخذ في الحسبان التغيرات اليومية لأسعار الشركات المكونة للمؤشر، فعندما يكون التغير في أسعار الشركات خاطئًا سيكون المؤشر كذلك خاطئًا. تصل نسبة الأرباح الموزعة لسعر السهم في السوق السعودية إلى ما فوق 5 في المائة، مقارنة بنحو 2 في المائة كمتوسط في أكثر الأسواق الدولية، خصوصًا أن الشركات التي توزع أعلى الأرباح هي التي لها تأثير أكبر في حركة المؤشر. معنى ذلك أن مؤشر السوق السعودية يفقد ما بين 2 و4 في المائة من قيمته السنوية بسبب توزيعات الأرباح! وفي هذا خطأ وتجنٍ على الأسهم السعودية، بل خطأ في حق الاقتصاد السعودي ككل. كما أن مشكلة توزيع الأرباح تلقي بظلالها بشكل أعظم في السوق السعودية بسبب أن أكثر الشركات توزع الأرباح السنوية دفعة واحدة، لا على فصول عدة، وأكثرها يتم في النصف الأول من العام، فتزداد حدة الخلل في التسعير.
الحل موجود ومتبع في كثير من الأسواق العالمية، وهو أن يتم تعديل سعر السهم بطريقة معيَّنة تعكس حقيقة التغير في سعر السهم. في مثال الشركة التي أغلق سهمها عند 20 ريالاً والتي أقرت توزيع 1.50 ريال، فتعامل في اليوم التالي وكأن سهمها قد أغلق عند 18.50 ريال في اليوم السابق. فمثلاً لو أن السهم في اليوم التالي كان يتداول عند 19 ريالاً، فيجب ألا يظهر على أنه منخفض بمقدار ريال عن اليوم السابق (أي انخفاض بنسبة 5 في المائة)، بل إنه في الواقع يكون مرتفعًا بمقدار نصف ريال؛ لأننا نعتبر إغلاق الأمس 18.50 ريال، لا 20 ريالاً. وبما أن التوزيع هنا بنسبة 7.50 في المائة من سعر السهم، فيجب تصحيح جميع الأسعار التاريخية بخصم 7.50 في المائة منها. وبذلك تكون جميع الرسوم البيانية صحيحة، ولا يظهر انخفاض غير مستحق لسعر السهم، ولا يعاقب الاقتصاد السعودي بأن سوقه المالية منخفضة وهي ليست كذلك.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن طريقة تعديل السعر حسب الظروف المالية للشركة ليست بجديدة على "تداول"، التي تقوم به بكل اقتدار في حالات كثيرة، مثل رفع رأس المال وخفضه، وعند طرح حقوق الأولوية للاكتتاب، ويمارس منذ سنوات عدة؛ لذا فإن عملية تعديل سعر السهم نتيجة توزيع الأرباح التي لا تتم إلا مرة أو مرتين وفي حالات قليلة أربع مرات في السنة، أمر يسير وبالإمكان القيام به بسهولة، خصوصًا إذا علمنا أنه حدث يُعلن عنه غالبًا قبل أكثر من شهر من الأحقية وله وقت محدد ومعلوم.
أتفق معك انها مشكله د.فهد . رائعه مقالاتك ومفيده جدا جزاك الله كل خير .
أسجل إعجابي بفكرك و قلمك
فعلا مقال رائع ومفيد سجل اعجابي معك للك تحياتي
شرفني مرور الجميع، ونقطة إضافية إن الموضوع السابق كان يتكلم عن فوائد قيام الشركة بشراء أسهمها، وفي حالة قامت الشركة بذلك، بدلاً من توزيع الكاش على المساهمين، فستختفي مشاكل توزيع الأرباح المذكورة هنا. هذا يعني إن توزيع الأرباح يؤدي إلى هبوط الأسعار، بينما شراء الشركات لأسهمها يؤدي إلى ارتفاع الأسعار (وهو ما يطالب به المستثمرون عادة).
توزيع الارباح ضرورة وليست ترفا وغالبا يعوض السهم الفجوة خلال فترة زمنية وقد يتجاوز سعره السابق وبذلك يستفيد المستثمر بشكل اكبر
مقال جميل وافكاره جيدة ولكن السهم قيمته الدفترية نزلت بمقدار قيمة الارباح الموزعة ويجب ان يتأثر السهم بالنزول صحيح أن المالك للسهم لم يخسر إذا أنخفض سعر السهم بمقدار التوزيعات ولكن المشتري الجديد عليه أن يعرف سبب النزول قبل الشراء وليس مبرر ان المستثمرين الافراد يجهلون ذلك