صندوق الاجيال القادمة يقصد به بعض الذين يطالبون بانشائه هو ان تقتطع الدولة نسبة معينة كل سنة من ايرادات بيع البترول واستثمارها فيما يسمى الصناديق السيادية (أسوة بصندوق اجيال الكويت) لتكون مصدر دخل - كما يقولون - للاجيال القادمة بعد نضوب البترول.
على حد علمي لايوجد دولة في العالم (حتى دول مجلس التعاون) لديها صندوق يسمى صندوق الاجيال القادمة الا الكويت ورغم ان ظاهر هذا الصندوق الرحمة لكن باطنه العذاب لانه قد يتخذ مبررا لزيادة انتاج البترول بحجة ان نصيب الاجيال القادمة محفوظ ترعاه ايد امينة ويلهينا عن تحقيق تنمية حقيقية تضمن للاجيال القادمة حقوقهم في الحصول على مصادر دخل مستدامة.
الذي يزيد الموضوع تشعبا هو عدم وضوح الرؤية لدى المطالبين بانشاء هذا الصندوق بسبب خلطهم بين المفاهيم فالبعض يسميه صندوق الاجيال، والبعض يسميه صندوق احتياطي، والبعض يسميه صندوق سيادي، والبعض يسميه صندوق استثمار وهكذا. بينما كل واحد من هذه الصناديق يختلف في جوهره عن الآخر وان تشابهت المسميات في ظاهرها الا انها جميعها لا علاقة لها بالاجيال القادمة الا اذا كان صندوق استثمار لتمويل مشاريع انتاجية داخل الوطن بأيد وطنية 100 % تقريبا.
حتى لا نضيع في التعميم (كما ضاع الآخرون) سنركز في زاوية اليوم على صندوق احتياطي مجلس الشورى لأنه اكثر هذه الصناديق رسمية ووضوحا وتداولًا في وسائل الاعلام. ولكن - رغم هذه المزايا - لايخلو من ازدواجية المفاهيم.
صندوق احتياطي مجلس الشورى من اسمه والمعلومات المنشورة عنه في وسائل الاعلام ليس هو اساسا صندوق للاجيال القادمة كما انه بالمفهوم الدقيق ليس هو صندوق جديد للاحتياطي وانما هو فقط وسيلة لتنظيم ومراقبة ادارة استثمار وصرف فوائض الميزانية التي تحدث تلقائيا من زيادة الايرادات عن المصروفات واعتادت ان تحتفظ بها وزارة المالية لدى مؤسسة النقد فيما يسمى الآن حساب احتياطي الدولة وهو لايجوز السحب منه الا بمرسوم ملكي (وفقا للمادة الخامسة من مرسوم ميزانية 2011) في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة.
اذن اقتراح مجلس الشورى في الاساس هو تنظيم وتطوير ومراقبة واعطاء صفة الشفافية لصندوق موجود الآن ولكن يبدو ان بعض اعضاء مجلس الشورى سحرته (لاسيما اننا في زمن ازدهارالسحر) عبارة الاجيال القادمة فاصبحت له عين على اللحمة وعين على الشحمة فأدخل عبارة الاجيال القادمة فيما بعد على مشروعه الاساسي الذي اقترحه بعض الاعضاء.
يجب على مجلس الشورى ان يستقر على رأيه ويصحّح ازدواجية مفهومه للصندوق فهل يقصد صندوق احتياطي للسحب منه في حالة الطوارئ القصوى ام انه صندوق للاحتفاظ بنصيب الاجيال القادمة لايجوز السحب منه تحت اي ظرف من الظروف تتعرض لها ميزانيات الجيل الحالي.
فاذا كان اقتراح مجلس الشورى يعني تنظيم وتطوير صندوق الاحتياطي الحالي فهذا لايتطلب ايجاد صندوق جديد وانما فقط صدور النظام. اما اذا كان يعني انه صندوق للاجيال القادمة فيجب على مجلس الشورى ان يطالب بأن لايجوز الصرف من هذا الصندوق الا لتمويل مشاريع تنموية داخل الوطن بأيد وطنية 100% والا فلا داعي لحشر عبارة الاجيال القادمة.
موضوع الاسبوع القادم - ان شاء الله - بعنوان: الصناديق السيادية ليست مصدر دخل امن للاجيال القادمة.
لا نريد من المسؤولين ان يفعلوا الا ما يفعله اي شخص عاقل ورشيد عندما تهبط عليه ثروة كبيرة، فهو يصرف ويعيش ويتمتع بها باعتدال بما يتناسب واحتياجاته وحجم تلك الثروة، ولكنه بالإضافة الى ذلك يقوم بتخصيص جزء معتبر من ثروته لاستثماره بحيث يضمن الحفاظ على تلك الثروة من التبديد والضياع وليضمن ان يعيش هو وابناؤه واحفاده في رغد من العيش. هذا هو ما يفعله كبراؤنا وعلية القوم لدينا، فلماذا هم مستثمرون على درجة عالية من المهارة فيما يتعلق باموالهم الخاصة ويكادون يتفقون على افضل المواضع والسبل في استثمارها، بينما اذا كان الأمر يختص بالمال العام تجدهم لايتفقون الا طرق انفاقه وتصريفه.
خلاصة الكلام , البلد يحتاج لـ " تمويل مشاريع تنموية داخل الوطن بأيد وطنية 100% " بارك الله فيك
الاستثمار الحقيقي يتم داخل الوطن وخارجه، وفي الخارج أهم من ناحية مالية، استناداً على مبادء الاستثمار المعروفة وأفضل للحماية ضد المخاطر الاقتصادية، كما إن الاحتفاظ بالبترول في باطن الأرض غير صحيح والأفضل استخراجه بشكل مكثف واستثمار أمواله في أصول أفضل من البترول.
الأجيال القادمة لا خوف عليها ( أقصد طبعاً أحفاد وأحفاد أحفاد آل سعود)...... أما البقية من الشعب فستراهم يعملون في أدنى الوظائف بالعالم العربي في مدة لا تتجاوز ٣٠ عام من الآن.