الأسهم الرخيصة والأسهم الغالية

24/12/2012 16
د. فهد الحويماني

هناك مفهوم خاطئ لدى الكثير من المتداولين يتمثل في الاعتقاد بأن الشركة التي سعرها منخفض تعتبر ''رخيصة''، وتلك التي سعرها مرتفع تعتبر ''غالية''، وهذا غير صحيح؛ لأن السعر في حد ذاته لا يعني الشيء الكثير، حيث بإمكان مجلس إدارة الشركة أن يمنح أسهما مجانية فينخفض سعر السهم. وفي أسواق أخرى،تقوم الشركة بعمل تجزئة للأسهم فيتغير السعر السوقي من 100 ريال إلى 50 ريالا، على سبيل المثال،فيكون السهم ''أرخص'' من ذي قبل. كما أن الشركة قد تخفض من رأسمالها، أو تعمل تجزئة عكسية، فيرتفع سعر السهم من 50 ريالا إلى 100 ريال.

إذاً سعر السهم السوقي ليس مقياساً لجاذبية السهم من عدمه،وعلى الرغم من ذلك لا يزال كثير من المتداولين يتصرفون بناء على السعر الظاهر، وليس السعر السوقي الإجمالي للشركة الذي يأخذ عدد الأسهم في الاعتبار. تكمن أهمية السعر السوقي للشركة، ليس سعر السهم، في كونه يدل على مدى التثمين الممنوح للشركة من قبل جموع المستثمرين والمتداولين، ويعطي بلا شك دلالة على نظرة الناس للشركة عطفاً على ما لديها من أصول والتزامات ومدى نمو مبيعاتها ومستقبلها بشكل عام.

يخطئ كثير من المضاربين في الأسهم متدنية السعر في السوق السعودية، أو أسهم السنتات في السوق الأمريكية، التي تعرف بأسهم ''البيني''، في حساب مقدار الربح والخسارة الناتجة من تداول هذه الأسهم. على سبيل المثال، قد يشتري شخص أسهما بسعر 11 سنتاً للسهم الواحد، وتنخفض قيمة السهم، ربما خلال اليوم ذاته، إلى ثمانية سنتات. هنا يتناسى الشخص أن الخسارة في هذه الحالة تزيد في الواقع على 27 في المائة، وهي عالية جداً بجميع المقاييس، لكن يبدو أن المتعامل في أسهم السنتات لا يدرك هذه النقطة فيعتقد أنها مجرد انخفاض بمقدار ثلاثة سنتات فقط لا غير! وكي يعود السهم لسعره السابق، 11 سنتاً، فلا يكفي أن يرتفع بنسبة 27 في المائة، بل يجب أن يرتفع بنسبة 37 في المائة، وكذلك عندما ينخفض سهم بنسبة 50 في المائة، فيجب أن يرتفع بنسبة 100 في المائة ليعود لسعره السابق.

كما أن نسبة الفارق بين سعر العرض والطلب spread تعتبر أعلى بكثير في الأسهم ''الرخيصة''، عنها في الأسهم ''الغالية''، أولاً بسبب ضعف حجم التداول في الأسهم ''الرخيصة''، خصوصاً أسهم السنتات، وثانياً بسبب السعر نفسه. على سبيل المثال، إذا كان سعر العرض 12 سنتاً وسعر الطلب 11 سنتاً، فالفارق مجرد سنت واحد، وهو شيء مناسب ومثالي في أسهم الشركات الكبيرة. لكن بعد قليل من التفكير يكتشف الشخص أن هذا الفرق في واقع الأمر يعادل نحو 8 في المائة من قيمة السهم، أي أنه لحظة شراء السهم يكون المشتري قد حقق خسارة فورية قدرها 8 في المائة من ماله!

قد تكون هناك شركتان، الأولى سعر سهمها عشرة ريالات والأخرى سعر سهمها 100 ريال، فهل الأولى أرخص من الثانية؟ ليس بالضرورة؛ لأنه قد يكون رأسمال الأولى مليار ريال، والثانية رأسمالها 100 مليون ريال، فتكون القيمة السوقية لكل شركة مليار ريال، أي لا فرق بين قيمتهما، وعلى الرغم من ذلك ينجذب المتداول للأولى اعتقاداً منه بأنها ''أرخص''. هناك من يبرر انجذابه للأولى بأن احتمال ارتفاع سعرها من عشرة ريالات أكثر من احتمال ارتفاع الشركة التي سعرها 100 ريال، لكن هذا غير صحيح وهو مجرد اعتقاد وهمي بدوافع نفسية غير منطقية.

وعلى الرغم من ذلك، قد يكون هناك سبب واحد وجيه لمن يفضل الشركة المسعرة بعشرة ريالات للسهم عن الأخرى، ويعود ذلك لمفهوم نفسي يسمى النبوءة التي تحقق نفسها، وهي حقيقة موجودة ومشاهدة في عملية تحليل الأسهم، والمقصود منها أن كثيرا من المتداولين يتصرفون بناء على ما يعتقدون، لا بناء على حقيقة مطلقة أو تحليل عقلاني. فإذا كان الناس في سوق من الأسواق يعتقدون أن السهم متدني السعر أفضل من السهم مرتفع السعر، فسيميلون لشراء السهم المنخفض، ما يرفع سعره بشكل مخالف لسعره ''الحقيقي''، وهذا الارتفاع في سعر السهم يؤكد ما كانوا يتوقعونه، فيزداد إيمانهم بما يعتقدونه.

هنا لا بد للمحلل أن يقوم بدراسة عدد من المؤشرات المالية لمعرفة ما إذا كان هناك إفراط في الشراء لا يبرر السعر الحالي للسهم. على سبيل المثال، قد يقوم المحلل بمقارنة مكرر الربحية لكل سهم ويجد أن السهم المسعر بعشرة ريالات لديه مكرر ربحية بمقدار 20، بينما السهم الآخر مكرر ربحيته فقط 15، فيكون السهم المسعر بـ 100 ريال أرخص من السهم المسعر بعشرة ريالات.

ماذا لو تساوى مكرر الربحية لكل سهم وتساوت القيمة السوقية لكل شركة مع اختلاف في رأس المال وسعر السهم، فأيهما أفضل؟ هنا تأتي المقارنة برأس المال، فهل رأس المال الكبير أفضل من الصغير؟ ليس بالضرورة لأن ذلك يعتمد على الفرص الاستثمارية أمام كل شركة ومقدرة كل شركة على الاستفادة من رأسمالها. لو كان هناك محل للحلاقة برأسمال مليار ريال، فقد لا يكون رأس المال ذا أهمية، بل قد يكون سلبياً في هذه الحالة، ويكون من الأفضل إعادة جزء من رأس المال للملاك واستثماره في قنوات ذات ربحية أعلى من مجرد دكان للحلاقة. كثير من شركات التأمين في السوق السعوديت متقاربة في رأسمالها وتختلف في أسعار أسهمها، بينما من المفترض أن تكون الفرص الاستثمارية متشابهة إلى حد كبير، ما يعني أن كثيرا من شركات التأمين مسعرة بأسعار بعيدة عن القيمة الحقيقية لها.

ليس المقصود هنا أن تثمين الشركات يتم بهذه السهولة، بل لا بد من دراسة مبيعات كل شركة على حدة وقياس نسبة النمو في المبيعات، وتكلفة السلع أو الخدمات المباعة ومقارنة هوامش الربحية الإجمالية لكل شركة، ومن ثم مقارنة الربحية التشغيلية، بعد خصم المصروفات الإدارية والتسويقية، وأخيراً مقارنة صافي الأرباح. كما أن النظر إلى رأس المال في حد ذاته لا يكفي؛ لأن هناك التزامات وديونا تأكل من رأس المال، فيفضل مقارنة حقوق الملاك، وهي رأس المال زائد أو ناقص الأرباح/الخسائر المبقاة والاحتياطيات، وهي ما تعرف بالقيمة الدفترية للشركة. كما أن العملية لا تقف عند هذا الحد، بل ينظر لعدد من المؤشرات المالية والنسب لإجراء المقارنات بين بنود محددة في قائمة المركز المالي، مثل المخزون وكفاءة كل شركة في إدارته، وينظر كذلك لقائمة التدفقات النقدية لمعرفة وضع النقدية لكل شركة تحت المقارنة.