مناقشات حول مكرر الربح (5) – النمو المستقبلي (تجربة بيتر لينش)

19/12/2012 65
د. أحمد المزروعي

لا توجد طريقة اسرع للثراء من الاستثمار بشركة نمو (طبعا اذا استثنينا التجارة غير المشروعة أو القائمة على محسوبيات وفساد) ، حيث أن أكبر مايغري للاستثمار بالاسهم هو التوفيق بالاستثمار في شركة تحقق نموا عاما بعد آخر..

في أحد المقالات القادمة وربما خارج هذه السلسلة سنعرض لبعض الشركات التي حققت نموا كبيرا في الـ 20 سنة الماضية بالسوق السعودي وقد يذهل البعض للعوائد المحققة وسأكتفي الآن بمثال واحد لسهم الراجحي الذي يبلغ سعره حاليا 135 مرة ضعف سعر الاكتتاب (1988) والتوزيع النقدي العام الماضي كان 650 % من سعر الاكتتاب ، أي من حصل على ماقيمته 100 الف ريال اسهما من الاكتتاب فإن قيمة اسهمه الآن ستكون 13.5 مليون ريال ويدخل حسابه 650 الف ريال سنويا كتوزيعات أرباح.. أما اذا كان يعيد استثمار الارباح الموزعة بشراء السهم من السوق فإن ارباحه وعوائده ستكون أضعاف ذلك ..

لفهم الأثر الذي يحدثه النمو على الأرباح المستقبلية يمكننا اختصار الفكرة بالجدول التالي لثلاث شركات أولاها تحقق نموا قدره 7.5 % ، والثانية لشركة تحقق نموا سنويا قدره 15 % ، والثالثة تحقق نموا قدره 30 % مع ربح للسهم قدره 3 ريال للسهم للشركات الثلاث في سنة الاساس ..

لاحظ أن الشركات الافتراضية الثلاث أعلاه بالجدول بدأت في سنة الاساس بنفس الربحية وهي 3.0 ريال للسهم ولكن الفارق يصبح كبيرا جدا بعد 7 سنوات فالشركة التي تحقق نمواً قدره 30 % ستبلغ ارباحها بعد 7 سنوات اربعة اضعاف الشركة التي تنمو بمعدل 7.5 % بالرغم من أنهما بدءا من نفس النقطة.. أو بمعنى آخر فإن الشركة سريعة النمو حتى لو اشتريتها بمكرر ربح عالٍ حاليا فإنه مع الزمن سينخفض المكرر مقارنة بسعر الشراء بسبب النمو الكبير للأرباح ، ومن هنا جاءت المقولة بأن الشركات الاسرع نموا تستحق مكررات ربح أعلى من الشركات بطيئة النمو...

أشهر مستثمر في هذا المجال هو "بيتر لينش" مدير صندوق ماجلان الذي حقق أرباحا للصندوق بـ 30 ضعفا خلال 13 عاما (1977 – 1990) وذلك بتجاهل الشركات التي يتابعها أغلب مدراء الصناديق و التركيز على شركات النمو السريع التي في الغالب تكون في قطاعات ناشئة وصغيرة الحجم وغير معروفة على نطاق واسع..

مايهمنا من تجربة "بيتر لينش" في هذا المقام هو القانون البسيط الذي اتبعه وهو أنه كان يشتري الشركات سريعة النمو مادام مكرر الربح للسهم يقل عن مستوى النمو .. أما اذا كان مكرر الربح لشركة معينة يعادل نصف النمو المتوقع فهو يعتبر ذلك فرصة استثمارية نادرة لايمكن تفويتها..

ارجع للجدول أعلاه وتخيل أننا في سنة الأساس وأن الشركة (أ) يتم تداولها بـ 30 ريالا والشركة (ج) يتم تداولها بـ 60 ريالا وأن التوقعات لأسباب عديدة تشير الى أن الشركة (أ) ستحقق نموا محدودا بينما الشركة (ج) لأسباب أخرى ستنمو بقرابة 30 %.. أي أن الشركة (أ) تتداول بمكرر 10 مرات والشركة (ج) تتداول بمكرر 20 مرة ...

بيتر لينش ، حسب قانونه البسيط ، سيشتري حتما الشركة (ج) ذات المكرر الأعلى حيث أن مكررها يبلغ 20 مرة وهو مستوى يقل عن مستوى النمو (30 %) ، في حين أن أغلب المستثمرين ومدراء الصناديق سيحجمون عن الشراء بحجة أن مكرر الربح مرتفع .. وفي نفس الوقت سيحجم "لينش" عن شراء الشركة (أ) ذات المكرر الأقل كونها لاتحقق سوى نمو محدود ، في حين أن أغلب مدراء الصناديق كانوا يفضلونها لأن مكررها (10 مرات) أقل بالنصف من مكرر الشركة (ج) البالغ 20 مرة ... الفرق بين الاثنين أن "بيتر لينش" كان يعطي وزناً أعلى للأرباح المستقبلية فيما أعطى المستثمرون الآخرون وزنا أعلى للأرباح الحالية..

سأترك للقارئ حساب من سيكون الرابح الأكبر من الاثنين بعد 7 سنوات ولتحديد السهم الأرخص بمقارنة سعر الشراء للشركتين علما بأن ربح السهم (أ) سيكون 4.98 ريال بعد 7 سنوات بينما سيكون ربح السهم (ج) 18.82 ريال بعد نفس المدة..

طبعاً لا أحد يعلم الغيب فالشركة ذات النمو المتوقع العالي (شركة ج) قد لاتحقق هذا النمو المتوقع وهنا يأتي دور مدير المحفظة النشط بالتخلي عن الشركة التي لاتتوافق مستويات نموها المستقبلية مع التوقعات التي تم  شراء السهم بناء عليها وزيادة الوزن في الشركات الاخرى التي تحقق النمو المتوقع وربما تفوقه ...

لاحقا قام مستثمر آخر أعتقد أنه "جيم سلاتر" بوضع فكرة "لينش" في صيغة رياضية وهي نسبة الـ (PEG Ratio) ولن أتطرق لها هنا نظرا لسوء الاستعمال الشائع لهذه المعادلة والطريقة الخاطئة التي تعرض العديد من المواقع هذه النسبة وربما اتعرض لذلك في مقال منفرد نظرا لحاجته للاسهاب..

الخلاصة من كل هذا هو أن على المستثمر الا يتردد في دفع مكرر ربح أعلى للشركة التي تنمو بمعدل أعلى من أقرانها .. ولذلك عندما تفاضل بين شركتين يجب ان تأخذ ذلك في عين الاعتبار ..

للحديث بقية وسنواصل الحديث في المقال القادم عن "النمو المستقبلي" وأثره على مكرر الربح المقبول..