مناقشات حول مكرر الربح (4) – الوضوح المستقبلي والعوائد البديلة

17/12/2012 31
د. أحمد المزروعي

للتذكير فقد تكلمنا عن العوامل الأربعة المؤثرة على مكرر الربح في المقال الاول ، وبعد أن تكلمنا في المقال السابق حول أثر (مزاج المتعاملين في السوق) ، سنتطرق في هذا المقال لعاملين آخرين هما "الوضوح المستقبلي" و "العوائد البديلة" ، وأثر هذين العاملين على مكرر الربح المقبول من السوق ، فيما سيكون العامل الرابع والأهم "النمو" محور الحديث في المقالات القادمة..

فقط لتذكير القراء فإن مكرر الربح المقبول يأخذ في عين الاعتبار كل هذه العوامل مجتمعة ولايكفي أن نأخذ مؤشراً واحداً ونبني عليه مالم تكن العوامل الأخرى محايدة وذات تأثير محدود.

وباذن الله مع نهاية هذه المقالات سنصل الى طريقة يتمكن القارئ من خلالها تحديد مكرر الربح العادل من خلال نظرته الخاصة حيث أن ذلك يختلف من شخص لآخر حسب تفاؤله وتشاؤمه وتقديره لمستويات النمو وقدرته على ايجاد فرص بديلة.

الوضوح المستقبلي (VISIBILTY)
عندما ترغب أن تفاضل بين استثمارين أو شركتين بنفس السوق فإن وضوح مستقبل نموذج أعمال الشركة يلعب دورا هاما في تقييم السوق لسهم الشركة وبالتالي مكرر الربح... المستثمرون لا يحبون الغموض أو الشك حول نموذج أعمال اي شركة سواء كان ذلك منطقيا أم لا...

خذ مثلا شركتي "الطيار" و "دار الأركان" حيث يتم تداولهما بمكرر ربح 7 مرات للأولى و 8.5 مرة للثانية وذلك بسبب الغموض المستقبلي ... فالطيار مثلا تجني 35 % من ايراداتها من تعاقدها مع وزارة التعليم العالي (الابتعاث) والعقد يسري لعام 2014 ولايدري المستثمر هل سيتم تجديد العقد آنذاك أم لا ... ودار الأركان تبيع أراض في كل ربع وتحقق أرباحا لكن لايدري المستثمرون أين هذه الأراضي وعلى من تبيع وهذا يشكل غموضا لكل من يرغب بالاستثمار بالشركة.. واذا تغير ذلك مستقبلا ستتغير نظرة المتعاملين للسهمين..

وفي مقابل ذلك هناك شركات يتم تداولها بمكررات ربح أعلى من السوق مثل جرير (16 مرة) و هرفي (17 مرة) والسبب بسيط وهو أن نموذج عمل هاتين الشركتين واضح ويمكن قراءته لأغلب المستثمرين حيث أن أغلبهم لابد وانهم قد تعاملوا مباشرة مع الشركتين ولا يوجد هناك ألغاز وتخمينات في الوقت الحالي (قد يتغير ذلك مستقبلا)..

القانون هنا باختصار هو أنه اذا كان معدل مكرر السوق 12 مرة مثلا فإن المستثمرين يكافئون الشركات ذات نموذج الأعمال الواضح وبالخصوص مستقبليا بتداولها بمكرر أعلى من السوق ويعاقبون الشركات الغامضة بتداولها بأقل من مكرر السوق..

عائد الاستثمارات البديلة
سوق الأسهم يحركه بالدرجة الأولى المستثمرون الكبار أصحاب المحافظ الكبيرة وليس صغار المتعاملين ولذلك يجب أن تفهم كيف يفكر  ويقرر هؤلاء حتى لو كنت مستثمرا صغيرا... خذ مثلا تاجر كبير لديه أعمال تجارية متعددة وسيولة فائضة على متطلبات تجارته ولنفترض أنها 500 مليون ريال ... اين يضع هذه السيولة الفائضة؟؟ .. سيدرس البدائل من ودائع أو سندات أو عقار أو أسهم أو كاش أو الدخول في أعمال تجارية جديدة أوغيرها..

ولذلك فإن العائد الذي يمكن تحقيقه باستثمار هذه الفوائض يلعب دورا مهما في مكرر الربح المقبول في أي سوق .. لنفترض جدلا أن هناك شركة بالسوق تحقق 10 ريال ربحا للسهم وسعرها بالسوق 100 ريالا (مكرر ربح 10) وتوزع  7 ريالات سنويا وان أعمالها منتظمة ومستقرة..

الأرباح النقدية التي توزعها الشركة أعلاه تعادل 7 % من سعر السهم كما أن الشركة تحتفظ بـ 3 % كأرباح مبقاة... الآن لنفترض أن العائد على الاستثمار العقاري 7 % والسندات 3 % والودائع 1 % ، فبالتأكيد أن النصيحة التي سيتلقاها تاجرنا أعلاه من مستشاريه ستكون أن يضع جزءا من الـ 500 مليون في تلك الشركة التي ستعطيه عائدا منتظما قدره 7 % ببساطة لأن ذلك أفضل من البدائل الأخرى (لاحظ أن 7 % عائد للأسهم أفضل من 7 % للعقار نظرا لأن الأسهم يمكن شراءها والتخارج منها بطريقة أسرع).. اذا تلقى مستثمرون كبار آخرون نفس النصيحة ووضعوا جزءا من سيولتهم بالشركة سيؤدي زيادة الطلب على السهم لرفع قيمة السهم وبالتالي مكرر الربح المقبول ربما للضعف..

دعنا نفترض نفس الشركة بنفس العوائد (7 %) ولكن بتغيير عوائد الاستثمارات الأخرى حيث نفترض أن العقار يحقق 15 % والسندات 12 % والودائع 10 % ... في هذا الحالة قلت جاذبية السهم لأن هذا التاجر يستطيع تحقيق عوائد أفضل في قنوات أخرى بديلة وبالتالي فإنه لن يتلقى نصيحة بشراء السهم وكذلك لبقية المستثمرين الذي سيفضلون التوجه للاستثمارات الأخرى بدلا من شراء السهم.. وبالاضافة الى ذلك فإن ملاك هذا السهم سيقومون ببيع السهم وذلك للحصول على عوائد بديلة أفضل ، أو بمعنى آخر فإن مكرر الربح للشركة المعنية سينخفض مقارنة بالمثال الأول..

الخلاصة من المثال أعلاه أن مكرر الربح يتأثر بالعوائد البديلة التي يمكن تحقيقها بعيدا عن الأسهم فعندما تزيد عوائد العقار والأسهم والسندات والاستثمارات التجارية الأخرى يؤدي ذلك نظريا لانخفاض مكرر الربح المقبول ، بينما عندما تقل عوائد هذه الاستثمارات البديلة يرتفع مكرر الربح المقبول..

وهنا يمكن أن يطرح أحد هذا السؤال : اذا كانت العوائد على السندات والودائع والمرابحات في الوقت الحالي أقل بكثير من عوائد الكثير من الأسهم فلماذا لايرتفع مكرر الربح ؟؟ ... والجواب أن الأزمات المتلاحقة خلال الاربع سنوات الماضية (الأزمة العالمية – الأزمة الاوربية – الربيع العربي ... الخ) أدخلت عنصرا جديدا للمعادلة وهو "الأمان".. فالمستثمرون أصبحوا يبحثون عن الأمان أكثر من العائد بحث أصبح الكاش الذي عائده (صفرا) أفضل من الاستثمار بالاسهم من ناحية الأمان ، فصاحب المال يرى في ظل هذه الظروف أن الاحتفاظ بجزء كبير من سيولته نقدا ويمكن نقلها في لحظة لأي بنك بالعالم أكثر أمانا من الأسهم حتى لو كان العائد مغريا من الأخيرة..

في المقالات القادمة سنتطرق للنمو وأثره على مكرر الربح المقبول .. وتذكر عزيزي القارئ أن الاغراء الأكبر من الاستثمار بالأسهم هو الحصول على شركات تحقق نمواً مع الزمن وبالتالي عائداً أكبر مما يمكن تحقيقة في استثمارات أخرى...