طالب مجلس الشورى هيئة السوق المالية بعدم إدراج أي شركة إلا بعد مزاولة نشاطها فعلياً لفترة محدودة. وبالتأكيد فإن السؤال الطبيعي هو: لماذا تأخر المجلس بهذه المطالبة خصوصاً أن إدراج شركات لم تعمل بعد قد بدأ منذ عدة سنوات وبأعداد كبيرة؟ فهل كان المجلس وعبر لجنته المالية بحاجة لكل هذه السنوات وهذا العدد من الشركات ليكتشف أن في هذا الإجراء خللاً كان له تبعات سلبية حسب وجهة نظره؟!
لكن هل يعد هذا المطلب -بعيداً عن توقيته- صحيحاً وصحياً للسوق المالي، وهل المشكلة أن تطرح الشركة لتحصل على تمويل يساعدها بتأسيس نشاطها، أم المشكلة هي في حركة السهم بالسوق المالي والنشاط المضاربي الذي حدث لهذه الشركات بعد إدراجها خصوصاً بقطاع التأمين؟! وهنا لابد من التفريق بين أن تلجأ شركة للسوق المالي لتمويل رأس مالها وضخه بتأسيس نشاطها، وبين حركة السهم المفصولة عن واقع الشركة وعن تأثير إدارتها كون النظام لا يسمح للشركات بالتدخل لشراء أسهم خزينة أساساً أم أن الطلب أتى من جانب دعم السوق بشركات منتجة وفاعلة وبالتالي تكون إضافة سريعة للسوق تخدم جاذبية الاستثمار له،
لكن بالمقابل فإن عدداً من الشركات الحديثة المهمة والإستراتيجية طرحت قبل مزاولة نشاطها ولم يكن بالإمكان حصولها على تمويل يساعدها في البدء بإنشاء مصانعها أو نشاطها الخدمي، وكانت هذه الشركات كـ»ينساب» أو بنك الإنماء واتحاد اتصالات (موبايلي) وغيرها ذات جاذبية وبدأت بتحقيق أرباح خلال فترة زمنية مقبولة. وبذلك فإن حرمان السوق من مشاريع كبرى ومهمة في بداياتها أيضاً له سلبيته خصوصاً أن التمويل أصبح بعد الأزمة المالية العالمية قضية مؤرقة للشركات الكبرى.
وبذلك فإن الطلب الذي رفع من مجلس الشورى الموقر لا أعتقد أنه يضع الحلول بشكل دقيق. والدليل على ذلك أن شركات طرحت للاكتتاب وذات عمر تشغيلي طويل وليس محدود، ومع ذلك تهاوت أرباحها سريعاً وبعضها تم إيقافه عن التداول وتواجه شبح الإفلاس حالياً، وكثير منها في قطاع التشييد والبناء والمقصود به المقاولات بدرجة رئيسة وهو القطاع الذهبي بالاقتصاد السعودي من حيث حجم المشاريع والنمو به.
فالمشكلة في الأصل ليست في مزاولة الشركة لنشاطها قبل الطرح، بل بآلية تنظيم السوق وإبقاؤه سوقاً واحداً يضم كل الشركات التي تخطت حاجز مئة وخمسين شركة مدرجة موزعة على خمسة عشر قطاعاً. فلو أن طلب الشورى بتأسيس سوق مواز لهذه الشركات توضع له آلية تداول مختلفة عن السوق الرئيس تحد من حركة المضاربات فيه ولا تنتقل الشركة للسوق الرئيس إلا بعد عدة سنوات من تحقيقها لأرباح حتى لو كانت قائمة فعلياً وتزاول نشاطها سيكون أجدى لأنه لا يحرم هذه الشركات من أحد نوافذ التمويل، ولا يضعها في مربع المضاربة الغوغائية، كما أن تغيير شروط الإدراج للشركات القائمة بحيث تذهب متحصلات الاكتتاب لتمويل مشاريع الشركة ونشاطها بدلاً من حصول ملاكها على هذه الأموال سينعكس بأثر إيجابي على الاقتصاد كطاقة إنتاجية جديدة من خلال رفع رأس مالها بالسوق وليس التخارج.
طلب مجلس الشورى -بلا شك- يأتي بعد أن رأى الإشكاليات التي ولدها طرح شركات قبل مزاولة نشاطها ومحاولة للحد من تأثير ذلك مستقبلاً، لكن في الوقت نفسه لا يحتوي جوهر المشكلة بالجانب الأهم وهو آلية تداول الشركات الحديثة بالسوق بعد إدراجها، فهو المحور الأهم بل إن الاقتراح سيضعف من فاعلية سوق تمويلي مهم للمشاريع المستقبلية وفي الوقت نفسه سيرفع من حجم تمويل شركات قائمة على المستثمرين لأنها ستطرح بعلاوة إصدار ما زالت عملية تقييمها تشهد جدلاً واسعاً نظراً لارتفاع هذه العلاوة في أغلب الشركات التي طرحت وفق هذا النظام، كما سيحول دون طرح شركات إستراتيجية كبيرة ذات جدوى كبيرة وفائدة للمستثمرين بأن يتحصلوا عليها بالقيمة الاسمية وأن تحصل على تمويل لنشاطها دون تكلفة فاقتراح وجود أكثر من سوق للشركات المدرجة سيكون حلاً للكثير من الإشكاليات التي تواجه السوق حالياً وعلى رأسها تركز عمليات حركة السيولة بالأسهم المضاربية وإذا ما فشلت شركة من هذه الشركات فإنها تطبع سلبيتها على كامل السوق بشكله الحالي فتذوب معها القيم الاستثمارية الموجودة بالسوق ويكون الانعكاس بتراجع الجاذبية الاستثمارية وتهميش دور الاستثمار المؤسسي الذي يقوم غالبه على الشركات الجيدة وحتى أن تأثيره السلبي يصل لتراجع جذب المستثمرين الأفراد طويلي الأمد وكذلك وانتقال السيولة لرقعة المضاربة إذ تصل نسب استحواذ شركات المضاربة لأكثر من نصف السيولة المتداولة يومياً.
أخي الكريم .... محمد العنقري .... شكراً على هذا المقال الرئع وأتفق مع ما تفضلت جملةً وتفصيلا .... وبالحقيقة قد يكون مجلس الشورى الموقر أغفل أن الدور الأساسي للسوق المالية هو نقطة الإلتقاء بين الباحثين عن التمويل والممولين الباحثين عن الفرص الاستثمارية .... عندما أشار إلى هذه النقطة. كما أنه قد يكون أغفل أن هناك شركات تدرج بالسوق وفقاً لمتطلبات نظامية كشركات التأمين والاتصالات والتي لا بد أن تكون شركة مساهمة مدرجة حتى تحصل على ترخيص مزاولة النشاط .... هذه من ناحية .... أما من الناحية الأخرى .... اتفق وأوؤيد ما تفضلت به من مقترح .... نعم نحن بحاجة إلى سوق موازي بحيث يتم به تداول الشركات حديثة الإدراج ( سواء التي دخلت السوق عن طريق التخارج ...!!!! أو التي دخلت السوق بحثاً عن التمويل والتوسع وهي شركات قائمة سابقا ) والشركات التي بمرحلة التأسيس ومراحل ماقبل التشغيل .... بحيث تختلف به أليات التعامل والتداول عن السوق ... فهذا سوف يحقق عادالة بالتقييم ويخفف من التأثير السلبي لشركات المضاربة على تعاملات السوق .... ومرة أخرى شكراً على هذا المقال الرائع ولعلنا بالمستقبل نجد هذا المقترح واقع ملموس بالسوق المالية السعودية .... ودمت بود
الاخ الكريم سلمان شاكر مرورك وبالفعل هناك نظرة متباينة بين الشورى والسوق المالي تقبل تحياتي
الاخ الاستاذ / محمد العنقرى ......... شكرا لمقالك الهام والذى يمس قطاعا عريضا من الشركات والافراد وان كان لى من اضافة او تذكرة فى عجالة واحب ان اعرف تعليقك عليها :- طرح الشركة بعد مزاولة نشاطها لايغنى فى جميع الاحوال ومجموعة المعجل خير مثال ..!!! - لايمكن النظر للامور من منظور واحد فهناك انظمة تجبر الشركات على الطرح قبل مزاولة النشاط وقطاع التامين خير مثال ....!! - الشركات العملاقة تطرح ويبدأ التشغيل التجريبى والتجارى بعد عدة سنوات مثل كيان .. فما الحل فيها ..؟!! اكرر شكرى وتقبل خالص تحياتى............ د . جمال شحات
شكرا لك استاذنا الكريم الدكتور جمال الشحات كما تعلم وضع كل البضاعة في سوق واحد مهما اختلفت معايير طرحها يعد سلبياً وهناك حلول طرحتها سابقا كسوق خارج المقصورة وكذلك ضرورة ايجاد سوق موازي فهي كلها ادوات لتمرير التمويل المطلوب ولكن لكل منها دور في تتخفيف المخاطر وكذلك التقييم وعدم التاثير على المستثمر بطريقة غوغائية باللاضافة لالغاء البيروقراطية التي تعطل الشركاتلممارسة انشطتها وكذلك تقوية دور المؤسسات المالية لكي تكون فاعلة بحركة السوق وتدفقات النقد اليه بطريقة علمية خالص التقدير
باعتقادي ان المشكلة الاساسية في الادراجات خلال الفترة الماضي ان السوق بدلا من ان يكون مصدر رئيسي للتمويل اصبح فرصة ذهبية لمؤسسي الشركات العائلية للتربح.. لاحظ ان اغلب الشركات العائلية التي ادرجت كانت بحاجة الى تمويل توسعاتها و منها المعجل و بدلا من ان تطرح عن طريق زيادة راس المال بحيث تذهب اموال الاكتتاب بعلاوة الاصدار الى الشركة، كانت تطرح تلك الشركات عبر بيع المؤسسين لجزء من حصتهم في الشركة.
لم تكن " المعجل " الشركة الوحيدة التي تطرح بعلاوة اصدار، و لم تكن الشركة الوحيدة التي باع ملاكها 30 % منها بقيمة تساوي ضعف قيمة صافي اصولها كاملة مع احتفاظهم بالنسبة المتبقية و التي ايضا قيمت باضعاف قيمتها عند دخولها السوق بـ 70 ريالا، و لم يكن ذلك ممكنا ابدا اذا لم تكن هنا الفرص تفتح ابوابها !
شكرا لك اخي الكريم نعم اتفق معك وللاسف استغلت الطريقة التي تطرح بها الشركات بعلاوة اصدار واثرت البعض على حساب المستثمرين خالص الشكر
كلام جميل أخ محمد، إختلافي فقط في ما ذكرته بأن "المضاربة" هي المشكلة وإن الحل في إيجاد سوق موازي. في رأيي إن المضاربة جزء أساسي من أي سوق مالي وبدون وجود مضاربين يتعطل السوق ولا تستطيع الشركات الحصول على التمويل من خلال سوق المال لأنه لم يعد سوق مال إن قضينا على المضاربين. وبغياب المضاربين من سيشتري منا إذا أردنا البيع؟ ومن سيبيعنا إذا أردنا الشراء؟ أنا أتفهم أن ما تقصده هو المضاربات غير الحميدة ولكن هذه لها آلية متابعة من قبل الهيئة. كما إن "المضاربين" سيبقون في السوق القديم وسيأتون للسوق الموازي كذلك..لا مفر منهم في الواقع، فالمشاكل التي تواجه سوق الأسهم ليس لها علاقة بالمضاربين من وجهة نظري.
استاذنا الدكتور فهد الحويماني اتفق معك حول اهمية المضاربين لكن عندما يكون السوق الثانوي منضبطا بنوعية شركاته وفاعليتها وتدخل الشركات من السوق الموازي له بين فترة واخرى عندما تنهي فترة زمنية ستبقى السيولة المضاربية موجودة ولكن ستختلف المخاطر والتقلبات وستجذب الالستثمارات بشكل افضل لوضوح صورة الشركات بعد ان تكون تخطت مراحل التاسيس او الاقتناع بادائها