في المقالين السابقين تطرقت لموضوع فرض رسوم على الأراضي البيضاء، بدءاً بحقيقة أن فرض أي نوع من الرسوم على المنتجات يخل بالحركة الاقتصادية ويؤثر في مستويات العرض والطلب، وأن ذلك إن لم يرفع سعر المنتج فهو بكل تأكيد لا يخفضه. وفي المقال السابق، ضربت مثلاً لفرض رسوم بنسبة 1 في المائة، وخلصت إلى أن ذلك يُبقي سعر الأرض كما هو ويتحمل البائع التكلفة المقدرة للقيمة الحاضرة للرسوم السنوية على مدى السنوات الطويلة القادمة. وأشار المقال في خاتمته إلى أنه إذا كان الهدف من فرض الرسوم دفع الملاك إلى بناء أراضيهم، فقد لا يكون هناك أثر قوي لفرض رسوم بنسبة ضعيفة.
ماذا إذاً عن فرض رسوم سنوية عالية، هل ستؤدي إلى النتيجة المطلوبة؟ وقبل ذلك ما النتيجة المطلوبة؟ هناك من يعتقد أن فرض الرسوم يؤدي إلى خفض أسعار الأراضي لتكون في متناول أيدي المواطنين، وهناك من يرى أنها ستدفع بالملاك إلى بناء أراضيهم، وهناك من يطالب بهذه الرسوم من منطلقات إسلامية بحكم أنها تعتبر زكاة شرعية مستحقة، وهناك من يرى في فرض الرسوم إحقاقاً للعدالة الإنسانية من خلال استقطاع جزء من خيرات الأرض لمصلحة المجتمع الذي أسهم في ازدهار الأرض وارتفاع قيمتها. كما أن هناك من يرى أن في ذلك عقابا لمن يُعتقد أنه استحوذ على أراض بغير وجه حق، إما من خلال هبة من سلطة عليا وإما بالتحايل والتعدي أو حتى بالسرقة. لذا من الضروري لمن يدخل في هذا النقاش أن يحدد موقفه بوضوح، لأن لكل موقف حل مختلف، وقد لا تكون الرسوم الحل لجميع هذه المطالب.
بالعودة لتحليل تأثير فرض رسوم عالية بشكل كاف لتحقيق المطلوب (أياً كان هذا المطلوب)، فلننظر إلى حالة متطرفة وغير معقولة، لعلها تساعد على توضيح الصورة. ماذا لو تم فرض رسوم سنوية بواقع 99 في المائة من قيمة الأرض التي قيمتها عشرة ملايين ريال؟ هنا بلا شك سيجد مالك الأرض أنه أمام مشكلة كبيرة، فإن لم يقم ببناء الأرض قبل يوم الاستحقاق فسيتكبد غرامة كبيرة قدرها 9.9 مليون ريال! إذاً سيضطر المالك إلى بناء الأرض على الفور أو ربما التوقيع على تعهد ملزم ببنائها فوراً، أو يبيعها لمن يرغب في بنائها، أو يتهرب من دفع الرسوم وتستولي الحكومة على أرضه. فبكم سيبيع المالك الأرض المقدرة قيمتها حالياً بعشرة ملايين ريال؟ لتقريب الصورة أكثر، لنفرض أنه بعد الساعة الخامسة عصراً من هذا اليوم ستدخل الرسوم في نطاق الاستحقاق الذي لا مفر منه، وعندها لا بد من توقيع التعهد بالبناء أو دفع الرسوم. نظرياً وعلى افتراض أن مستوى العرض غير مرن بتاتاً، فسعر الأرض سيشمل مبلغ 9.9 مليون رسوم مستحقة، إضافة إلى مبلغ من المال يكون مرضياً للبائع والمشتري. وبما أن العرض غير مرن فالبائع هو الحلقة الأضعف، وسيقبل بسعر السوق المقدر بعشرة ملايين ريال، يسدد منها 9.9 مليون رسوما، ويتبقى لديه مبلغ 100 ألف ريال فقط. بالطبع إن مثل هذا التصرف لن يحدث لأن المالك لديه الخيار ببناء الأرض وتجنب دفع الرسوم، لكن عليه حساب تكلفة البناء ومردودها المالي. كما إن هناك تنافسا قويا مفترضا بين المشترين للحصول على الأرض بسعر تنافسي، وإلا لما وصل تقدير قيمة الأرض من قبل الحكومة لأغراض الرسوم مبلغ عشرة ملايين ريال! وسيدفع هذا التنافس الذي تحدده قوى العرض والطلب وحاجة المجتمع إلى المباني السكنية والتجارية لوصول سعر الأرض لسعرها المستحق، أي أن التنافس في شراء الأرض هو الذي سيحدد سعرها، وأما فرض الرسوم العالية فسيكون تأثيره المباشر المسارعة في بناء جميع الأراضي البيضاء. أما تلك الأراضي التي لا يمكن بناؤها في المنظور القريب، أو لا جدوى من بنائها كونها ستنتج مباني لا فائدة منها، فستنخفض أسعارها إلى الصفر أو قريباً منه، لأن مالكها لا يرغب في دفع رسومها الباهظة ولا هناك مشترون على استعداد لبنائها وتركها لسنوات طويلة من دون استخدام.
في الواقع إننا لا نحتاج إلى فرض رسوم بمقدار 99 في المائة لتحقيق هذه النتيجة، بل إن ذلك يتحقق بفرض رسوم سنوية أعلى من القيمة الإيجارية للأرض، والسبب أن الأرض لها قيمة إيجارية حقيقية أو مفترضة، وهي تعادل ما يدفعه المستأجر للأرض، لا تتجاوز حالياً 5 في المائة من قيمة الأراضي في المملكة. هذا يعني أن فرض أي رسوم بأكثر من 5 في المائة سيؤدي إلى عواقب وخيمة ويحدث خللاً كبيراً في الاقتصاد لعدة أسباب، أهمها أنه سيكون هناك تدافع كبير نحو بناء الأراضي، ما سيرفع من تكلفة الأيدي العاملة إلى عدة أضعاف وكذلك مواد البناء وغيرها. هذا الخلل كان مسيطرا عليه فيما قبل في سوق خالية من الرسوم، بوجود مستثمرين يحتفظون بأراضيهم لمدة طويلة. النتيجة السلبية الحتمية لذلك هي أن تضييق الخناق على المستثمرين والمضاربين سيشل دورهم الإيجابي في تنظيم الحركة العمرانية، المتمثل في قيامهم بمد السوق بالأراضي عند الحاجة إليها، لا بناءً على قرار حكومي. يتضح لنا إذاً أن تأثير رسوم الأراضي يعتمد على نسبة الرسوم المقرة، إن كانت قليلة فتأثيرها في الأسعار وفي حركة بناء الأراضي ستكون ضعيفة، وإن كانت عالية فستحدث اضطراباً كبيراً في الاقتصاد ككل، ولا سيما أن هناك أراضي بيضاء يتم شراؤها بقروض بنكية بأسعار فائدة ثابتة، وسيكون هناك تدافع لبيعها فيما لو كان لزاماً على مالكيها دفع رسومها. إذاً إن كان لا بد من فرض الرسوم، فالأفضل كما تم ذكره في المقال الأول، البدء بمنطقة معينة وبرسوم ضئيلة ومن ثم التدرج لدراسة التأثيرات في التضخم العام وفي نسب البناء واختلال الأسعار.
أخيراً من المهم ملاحظة أن الرسوم التي يطالب بها البعض هنا في المملكة تختلف فكرتها عن دول كثيرة، حيث إن فكرة الرسوم في تلك الدول هي أن يتم دفع رسوم سنوية مقابل القيمة الحالية، أو القيمة الإيجارية، لأي أرض كانت، داخل المدن أو خارجها، مبنية أو غير مبنية... بل حتى الأجزاء غير المستغلة من المباني تعتبر أراضي غير مستعملة. وسبب تأييد البعض لها في تلك الدول يعود لكونها تلغي ضرائب أخرى على الممتلكات. ومن المؤكد أن الدول التي فرضت رسوما على الأراضي لديها حققت بالفعل استخداما أمثل لأراضيها، إلا أن أسعار الأراضي فيها بقيت عالية. يقوم البرلمان البريطاني حالياً بدراسة فرض رسوم أو ضرائب على الأراضي في إنجلترا، وتم الاستماع لمشروع القرار في مجلس العموم البريطاني قبل خمسة أشهر وسيطرح للنقاش الثاني في مطلع عام 2013.
تقول يا دكتور :أن فرض أي نوع من الرسوم على المنتجات يخل بالحركة الاقتصادية ويؤثر في مستويات العرض والطلب.. فرض الرسوم يخل بالحركة الاقتصادية. اذن ماذا يفعل الاحتكار بالاقتصاد والمستهلك؟ يا كثر الكٌتاب الاقتصاديين في الوطن ولكن حين يكون الموضوع وطني تحسبهم كذلك وقلوبهم شتى.
فرض الرسوم يخل بالحركة الاقتصادية هذا كلام علم الاقتصاد وليس كلام الكاتب.
الامر با سيط ولا يحتاج كل هذ
عفوا تكمله ..... ما يحصل في الاراضي عندنا انها تجاره ..... اذن طبق ما يقوله الاسلام على التجاره من زكاة .... والزكاة 2.5% على رأس المال + 2.5% على الربح الصافي هذا هو الوعاء الزكوي يدفع سنويا على رأس المال ويدفع على صافي الربح عند البيع ......... اما ان يتحول التراب الى بنوك لخزن المال بدون اي ضوابط فهنا الخطأ .... وما حدث من الفتوى في هذا الامر لا يرقى الى قبول تطبيقه ويندرج في خانه اجتهاد وخطأ عالم ..... والله من وراء القصد
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً -- أبشر بطول سلامة يا مربع
أحسنت. الجميع يتسلى بفرضية أو وهم فرض رسوم على العقار. حينما يعلم هؤلاء من هم ملاك الإقطاعيات سيتفادون هذه التسلية والعبث والوهم لإستحالة تطبيقها. حسني مبارك وغيره من الزعماء لم يكونوا لوحدهم بل جيش عرمرم من المواطنيين الاقطاعيين الذين هم أول من يدافع عنهم وعن هذه المصالح. هذا هو السد المنيع. فتش عنه عندنا وسيزول الوهم.
عزيزي جانبت الصواب تماما اولا المشكلة هي في احتكار الاراضي (وفرة اراضي مع نقص في العرض بسبب التكتلات الا باسعار تضاعفت ثلاث مرات ) ثانيا فمبدأ استثمار الارض هنا هو ان العقار لايأكل ولا يشرب اي انه يزيد سعره بالتقادم وهذا واقع فأي خلل بهذا المبدأ سوف يؤدي الي حركة بيع حسب الحاجة ثالثا العرض هنا يكون للسعوديين وسعر الارض في الرياض بلغ حد لاتستطيع الطبقة الوسطى شرائها الا اذا بتجيب مشترين من الدول الاسكندنافية عند زيادة تكلفة اي سلعة وجمودها والاطراد في الزيادة يكون مبدأ التخلص منها مبدأ جيد لن يكون هناك ازمة في العمالة او مواد البناء فالسوق الدولي مفتوح والشخص الحين يقدر يجيب من الصين ما بالك بشركات المواد الاولية وقد تحدث زيادة تضخميه وهذا مقبول مقال مبني على تحليل خاطئ يادكتور وكأنك تنظر لسلعة ناضبة ولم تفهم ان لب المشكلة لدينا هي الاحتكار والمضاربة عليها بهدف رفعها مما زاد في قيمتها 300%
أخوي alenzi مشكور على مداخلتك، وبخصوص قولك إن فيه نقص في العرض بالرغم من وفرة الأراضي، أنا بودي إنك تفتح قوقل إيرث وتروح تشوف فقط شمال الرياض، سترى إن عدد القطع المعروضة للبيع مساحتها تعادل ربما ثلاثة أرباع مدينة الرياض! وهذه ليست أراضي بيضاء حسب المسمى الشائع والمقصود به أراضي معطلة، بل هي مطورة ومعروضة للبيع. صحيح إن الأسعار عالية على نسبة كبيرة من المواطنين وهذا يحتاج إلى تقديم حلول، والرسوم تقيد في ذلك ولكن (كما ذكر في المقال أعلاه) تكون بتدرج وبنسبة ضئيلة في البداية.
الحل زيادة العرض. الارضي البيضاء اكثر من مساحه معينة منحة من الدوله ترجع للدوله.
مكرر ....المقالات السابقة اعتقد كانت كافية لايصال فكرة نقاشك....حيث خرج المقال الاخير عن العلمية ...و دخل في فنون العرض و الكلام و الانشاء.
هلا أخوي GENE، كان لا بد من التطرق إلى حالتين الأولى تأثير الرسوم القليلة والثانية تأثير الرسوم العالية، وأتمنى أن لا يكون كل هذا الجهد في نظرك مجرد حشو وكلام إنشائي (وعلى فكرة أنا أكتب بالمجان) .
شكرا لك....انا ارد بالمجان.