تباين أداء المؤشرين الرسميين لسوق الكويت للأوراق المالية خلال شهر يناير 2010 ، حيث ارتفع السعري بمعدل 0.3% بينما انخفض الوزني بمعدل 2.9%، ويرجع ذلك التباين إلى تغير في خارطة طريق المتداولين من الأسهم الكبيرة والقيادية المؤثرة في المؤشر الوزني لصالح الأسهم المتوسطة والصغيرة ، والمؤثرة بدورها على المؤشر السعري، ويعزى انحسار الاهتمام بالأسهم الكبيرة والقيادية إلى معاناتها من عدة سلبيات ، فقطاع البنوك – الذي يشمل أكبر الشركات المدرجة – مثخن بالمخصصات التي بلغت نحو 500 مليون د.ك حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي ، وهي مرشحة – أي المخصصات – للارتفاع بكل تأكيد في الربع الرابع من العام المذكور ، وقد انخفضت أرباح قطاع البنوك تبعاً لذلك بمعدل 63% لثلاثة أرباع العام 2009 بالمقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي ، أما الشركات الكبرى والقيادية الأخرى ، فهي لا تقل تأزماً عن قطاع البنوك بشكل عام ، حيث عانت " زين " -وهي أكبر شركة مدرجة في البورصة الكويتية -من تراجع أرباحها بمعدل 53% في الربع الثالث 2009 و 17% لثلاثة أرباع العام المذكور ، كما أن المعطيات الأولية للربع الرابع 2009 تعطي مؤشرا لانخفاض مرجح للأرباح بشكل ملموس ، في حين تعاني " أجيليتي " هي الأخرى من تداعيات ربما تكون خطيرة وجسيمة جراء تطورات القضايا القانونية المرفوعة ضدها من حكومة الولايات المتحدة والمنظورة أمام المحاكم هناك حالياً .
وقد دعا تدهور أوضاع الشركات القيادية إلى توجه المتداولين شطر الشركات المتوسطة والصغيرة ، والتي تتمتع بمراكز مالية جيدة وأداء تشغيلي ملحوظ ، بالرغم من كون ذلك التوجه لم يخطف الأنظار عن التداول على الشركات الورقية والمتعثرة ، وذلك بالمضاربة الحذرة عليها أحياناً ، والعشوائية أحياناً أخرى ، وقد كان الاهتمام بشريحة عديدة واسعة من الشركات ، قد دفع متوسط التداول اليومي إلى الارتفاع بمعدل 10% ليبلغ 60.3 مليون د.ك خلال يناير 2010 بالمقارنة مع 55.0 مليون د.ك خلال الشهر السابق ( ديسمبر 2009 ) .
تطهير البورصة من الألغام!
اتخذ بنك بوبيان إجراءات قانونية تجاه الشركة المدينة له شركة الأبراج القابضة ، وذلك بطلب إحالتها للإفلاس، بعدما استنفذ كافة السبل لتحصيل القروض الكبيرة التي منحتها إدارة البنك السابقة للشركة المذكورة .
وتعتبر هذه الحالة أول طلب لإشهار إفلاس شركة مدرجة بعد مضي ما يقارب سنة ونصف السنة على بداية تدهور المراكز المالية لبعض الشركات بشكل حاد إثر انكشافها على الأزمة الاقتصادية ، ولا شك بأننا نستغرب تأخر العديد من المصارف باتخاذ إجراءات مماثلة بحق العديد من الشركات المتعثرة ، ناهيك عن الورقية والوهمية ، والمدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية للأسف البالغ ، حيث نعتقد أن طلب إفلاس تلك الشركات من جانب الأطراف المقرضة لها سيغربل سوق المال جذرياً من شريحة الشركات التي تعيق نهوضه ، وفوق ذلك إعادة الثقة به ، وبالتالي ، تحسن أدائه بخطى ثابتة بعيدا عن المفاجآت السلبية ، والتي هي بمثابة ألغام لا يعلم أحد زمان ومكان انفجارها.
وقد كان من الأجدر بإدارة السوق اتخاذ إجراءات جدية تجاه تلك الشريحة من الشركات سواء بإيقافها مؤقتاً حتى تصحح أوضاعها أو شطبها نهائياً ، أو حتى تحويلها للسوق الموازي كأضعف الإيمان كما يقال ، لكنها – أي إدارة السوق – يبدو أنها غير مكترثة إطلاقاً بالمخاطر الجسيمة المترتبة على استمرار إدراج شركات ورقية ووهمية ، وتداعيات ذلك على سوق الكويت للأوراق المالية والاقتصاد الوطني ككل.
ولا شك بأن وجهة نظرنا تجاه الشركات الورقية ليست من فراغ ، فقد كشفت الأزمة الأخيرة مجموعة لا يستهان بها من الشركات الورقية، ناهيك عن الشركات الوهمية ، حيث تأكد بالدليل القاطع وجود أكثر من شركة وهمية ، وقد انتقلت ملكياتها على اثر ظروف معينة لملاك جدد ، ولم يعثر هؤلاء الملاك على وجود فعليّ لتلك الشركات ، حيث لا مكاتب ولا موظفين ولا سجلات ولا.. ولا... ، وهي مدرجة في أقدم وأعرق وثاني أكبر بورصة خليجية .. ولله في خلقه شئون !!!
تداول عجيب !
لا زلنا نعاني من التداول المتفق عليه سلفاً ما بين أطراف معينة ، سواء كانت تعمل ضمن مجموعة استثمارية واحدة ، أو أطراف مستقلة عن بعضها البعض شكلاً ، لكنها تحت مظلة واحدة ، وهي مظلة التلاعب ونفخ الأسعار وتضليل المتداولين موضوعاً ، والذي يؤدي إلى نتائج سلبية عديدة وجسيمة ، منها فقدان الثقة في سوق الكويت للأوراق المالية ، وتحوله إلى أضحوكة وموضوع للاستهزاء والسخرية من جانب المراقبين والمحللين المهنيين سواء داخل أو خارج الكويت .
ولا زالت إدارة السوق تقف موقف المتفرج على التداول المصطنع والمفتعل والذي يقوض أركان الثقة بالبورصة ، فعلى سبيل المثال ، تم تداول 11 سهماً يشكلون 5% من عدد الشركات المدرجة بما يزيد عن 39% من إجمالي المبالغ المتداولة لشهر يناير الماضي ، وقد ارتفع معدل الدوران لإحدى تلك الشركات إلى أكثر من أربع مرات ، وأكثر من مرة لأربع منها خلال شهر واحد فقط ( 22 يوم عمل) ، وذلك دون تغيير يذكر في هيكل الملاك الرئيسيين ، كما لم تتعرض تلك الشركات إلى عمليات سيطرة تبرر المعدل المرتفع لتداول رأس مالها ، وأيضاً لم تفز تلك الشركات أو بعضها بمشاريع أو تحقق إنجازات أو تعلن عن اختراعات وابتكارات تبرر الاهتمام المفرط بها والتداول المكثف عليها . لا شك بأنه ليس لدينا تفسير واضح وقاطع لتلك التداولات "العجيبة"، فهل هي للتضليل مع أنها مكشوفة للغاية ؟ أم للتسلية ؟ أم للكسب غير المشروع ؟ وقد أفادنا أحد المراقبين لتلك التداولات "العجيبة" بأنها لغرض إدخالها في المؤشر الجديد للبورصة ، والذي يتوقع أن يشمل الأسهم النشطة فقط ، وليس جميع الأسهم خاملها ونشطها كما هو الوضع الحالي ، ليكون المؤشر الجديد أسيراً للعبث والتلاعب لغايات مشبوهة ، وفي كل الأحوال ، فإن تلك التداولات المشبوهة تعتبر وصمة عار على جبين سوق الكويت للأوراق المالية ويجب إزالتها في أسرع وقت ممكن من جانب المؤتمنين على هذا السوق المسكين .
أرقام شركات الوساطة " مغشوشة " !
بدأت شركات الوساطة العاملة في سوق الكويت للأوراق المالية منذ فترة في إصدار أرقام إيراداتها على أساس شهري ، وبالتالي ، ترتيبها في هذا المضمار ، ولا شك بأن تلك الخطوة إيجابية لتوضيح نشاط الوسطاء وحجم عمليات كل منها ، لكنه من المعلوم تماماً ، أن التداول الوهمي أو المصطنع -الذي يأخذ حيزاً كبيراً من نشاط السوق كما تعرضنا لجانب منه في الفقرة السابقة -ينعكس على عمليات شركات الوساطة ، وبالتالي ، فإن الأرقام التي تنشرها تلك الشركات مصطنعة بالتبعية ، ناهيك عن كون شركات الوساطة تمنح خصومات وصلت مؤخراً إلى 80% من حصتها من العمولة البالغة 70% من أتعاب السمسرة ، حيث تذهب 30% منها إلى سوق الكويت الأوراق المالية كما هو معلوم ، وعليه ، فإن الأرقام التي تصدرها شريحة من شركات الوساطة هي " مغشوشة " في واقع الحال ، ومن ثمّ ، فإنها لا تعكس الواقع الحقيقي بكل تأكيد، ولو كان هناك نظام ضريبي في الكويت ، لانتهى هذا التلاعب والغش ، كون الأرباح تخضع للضرائب .
من جهة أخرى ، فإن منح الخصم من جانب مكاتب الوساطة لعملائها ممنوع وفقا لتشريعات البورصة ، وهذا أمر غير مستنكر إطلاقا ، حيث إن الفوضى والتجاوز هو الأصل في سوق الكويت للأوراق المالية ، والالتزام بالقانون والأخلاق هو الاستثناء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
صح لسانك ... أوباما
قام الرئيس الأمريكي بتقديم مشروع قانون إلى الكونجرس يمنع البنوك من المتاجرة بالأوراق المالية لحسابها ، والذي يحدد نشاط البنوك في النشاط المصرفي وحفظ الأوراق المالية للغير ، ونعتقد أن اقتراح الرئيس الأمريكي في محله تماماً ، وذلك بعد أن سدد دافع الضرائب الأمريكي مئات المليارات من الدولارات لإنقاذ بنوك متهورة غامرت بأموال مساهميها في أسواق المال ، وذلك حتى يحصل مدراء تلك البنوك على مكافآت بالملايين إذا نجحت مغامراتهم ، وإذا لم تنجح ، ليس عليهم أي مسؤولية ، سوى عدم حصولهم على المكافآت الفلكية ، حيث تبقى الرواتب والمزايا السنوية كما هي ، وقد انتقلت العدوى الأمريكية الخاصة بفلتان البنوك وشركات الاستثمار إلى معظم دول العالم خاصة الدول المتقدمة ، والذي فاقم من حجم الكارثة الاقتصادية حتى أصبحت عالمية ، وتضرر منها الجميع ، بما فيهم المجتمعات البدائية التي لا تعرف البنوك والاستثمار والبورصات.
ولم يسلم الاقتصاد الكويتي من نزعة الطمع والجشع التي أججها الوجه المظلم والسلبي للنظام الرأسمالي ، فقد غامرت بنوك وشركات استثمارية كويتية بأموالها وأموال عملائها طمعا في المكافآت والجوائز الكبرى ، وقد حصلوا عليها فعلا خلال الأعوام 2003 حتى 2007 ، حيث أصبح محدودو الدخل في موظفي المؤسسات المالية الكويتية، من فاحشي الثراء بشكل مفاجئ ، وذلك بطرق مشروعة وغير مشروعة ، إلى أن حدثت الأزمة وكشفت مدى خطورة الوضع .
وما يهمنا الآن في هذا المقام ، أن نستفيد جيدا من الدرس القاسي والمؤلم ، وذلك باتخاذ خطوات جدية وجريئة من جانب المؤسسات الرسمية المعنية ، خاصة بما يتعلق بمزاولة البنوك الكويتية لنشاط الاستثمار سواء بنفسها أو من خلال شركات استثمارية أسستها لهذا الغرض ، كما دخلت علينا البنوك وشركات الاستثمار "بموضة " جديدة ، وهي تملّك شركات للوساطة المالية ، وهذا أمر خطير للغاية ويجب تداركه فورا ، حيث نبهنا لهذا الموضوع المفصلي بشيء من التفصيل من خلال تقريرنا المنشور في 28/9/2009 ، ولا شك بأننا نتمنى وجود مسئول كويتي مخلص على نمط الرئيس أوباما، الذي انبرى في عدة مناسبات وخطب للدفاع عن مشروع قانونه الرائع ، وصح لسانك يا براك ولد حسين بن أوباما.