اقترب العام 2009 من نهايته بخسائر متواضعة لسوق الكويت للأوراق المالية على أساس المؤشر الوزني بمعدل 5% ، بينما كانت الخسائر مضاعفة على أساس المؤشر السعري بمعدل 10%، والذي يقارب أداء مؤشر جلوبل العام الذي خسر 9.5% منذ بداية السنة حتى تاريخ إصدار هذا التقرير ، وقد جاءت تلك الخسائر أقل من توقعاتنا غير الرسمية، حيث إن توقعاتنا الرسمية للعام 2009 والتي صدرت بتاريخ 28/12/2008 قد رجحت الخسائر ، ولكن دون تحديد لنسبتها ، نظراً لغموض الوضع آنذاك ، وربما تكون الخسائر المحدودة للعام 2009 لعدة أسباب ، من أهمها ، تدخل المحفظة الوطنية من وقت لآخر لدعم الأسعار ، والذي يخل بآلية العرض والطلب وحدوث التصحيح المطلوب لغربلة السوق من الأسعار الوهمية والشركات الورقية .
من جهة أخرى ، استقر أداء ديسمبر بالمقارنة عند مستوى نوفمبر بمقدار 387 نقطة للمؤشر الوزني ، بينما ارتفع السعري بشكل طفيف بمعدل 1.2% ، كما ارتفع معدل التداول اليومي بمعدل 19% ليبلغ 55.9 مليون د.ك خلال ديسمبر بالمقارنة مع 46.8 مليون د.ك خلال نوفمبر، وذلك بدعم من النشاط على الأسهم التي تقل عن 100 فلس أو تقاربها ، وكذلك استمرار التداول المتفق عليه مسبقاً، أي المصطنع ما بين الشركات التي تعود لكتلة أو كتل استثمارية لأغراض متعددة وغير واضحة . وبالرغم من ارتفاع التداول في ديسمبر بالمقارنة مع نوفمبر 2009 ، إلا أن المتوسط اليومي للتداول خلال 2009 انخفض بشكل ملحوظ عن عام 2008 ، وذلك بمعدل 40% ، ليصل إلى 88.8 مليون د.ك بالمقارنة مع 147.2 مليون د.ك ، وتجدر الإشارة إلى انه بقي يومان للتداول حتى نهاية العام الجاري ، والذي لم تشملهما الإحصائيات أعلاه .
الاستقالات والشفافية لوحظ مؤخراً تزايد الاستقالات من مجالس إدارات الشركات المدرجة ، كما تزايدت الإشاعات والأخبار عن أسباب بعضها ، ولا شك بأن جانبا كبيرا من الاستقالات يأتي في سياق الحراك الطبيعي ، مثل خروج مساهم من قائمة كبار الملاك ، أو انتخاب عضو لمجلس إدارة شركة أخرى بما يزيد عن عدد العضويات المقررة والبالغة ثلاث ، مما يترتب عليه ضرورة الاستقالة من إحدى الشركات ، ناهيك عن انتهاء أو قرب انتهاء فترة العضوية القانونية ... الخ .
وبالرغم من عدم توفر اقتراح واضح ومتكامل من جانبنا لتنظيم عملية الإفصاح عن أسباب الاستقالات ، إلا انه يجب الالتفات جديا لهذا الوضع نظراً لأهميته وحساسيته ، حيث يشعر المتداولون بقلق عندما يستقيل أعضاء مهمين من بعض مجالس إدارات الشركات ، وذلك من حيث ماهية أسباب الاستقالة ودوافعها وتداعياتها أيضاً، وليس هناك أدل على ذلك من استقالة بعض أعضاء مجالس إدارة البنوك مؤخراً ، والتي كانت مقلقة للغاية ومثيرة للتساؤلات الكثيرة ، خاصة بما يتعلق بالوضع الحرج لبعض البنوك خصوصا ، والقطاع المصرفي عموماً جراء الأزمة الاقتصادية ، ناهيك عن احتمال ارتكاب الأعضاء المستقيلين أو غيرهم لمخالفات جسيمة قد تؤثر بشكل مادي على المراكز والنتائج المالية لتلك البنوك ، كما أن هناك استقالات شبه مؤكدة ، ولكن لم يتم الإعلان عنها رسميا لأسباب غير معروفة ، حيث نشرتها معظم الصحف ولم يتم نفيها ، وبالمقابل ، لم تقم إدارة السوق بإيقاف التداول على أسهم البنك المعني ، لغرض استيضاح الأمر من حيث تأكيد الاستقالات أو نفيها ، وذلك كما هو معمول به عند نشر أخبار مهمة وحساسة بما يتعلق بالشركات المدرجة .
وعليه ، نرى ضرورة قيام إدارة سوق الكويت للأوراق المالية ، وأيضاً بنك الكويت المركزي بما يتعلق بقطاعي البنوك والاستثمار ، بوضع إجراءات ونظم لحوكمة استقالات أعضاء مجلس الإدارة ، خاصة بما يرتبط بعمليات الإفصاح ، وأيضاً دراسة ما إذا كان من الضروري الإفصاح عن أسباب الاستقالات بشكل أو بآخر .
مخاطر التركّز ... والجهاز المصرفي يتردد دعم أحد كبار ملاك البنوك لسعر السهم منذ بداية الأزمة حتى الآن ، وذلك من خلال شراء جميع الكميات المعروضة بأسعار قريبة من الأسعار السائدة ما قبل الأزمة ، بالرغم من انخفاض المؤشر بأكثر من 50% منذ بداية الأزمة حتى الآن ، والذي كان بمثابة الهدايا الجزلة والثمينة المقدمة للبائعين ، إلا أنه بالمقابل ، يتردد أيضاً أن ذلك "المالك الكريم جداً" قد تجاوزت ملكيته في البنك 50% ، وبالطبع بأسماء شركات وأفراد متعددين لتجنب المخالفة الواضحة لتعليمات البنك المركزي في هذا الشأن .
وبالرغم من اعتقادنا لحسن نوايا هذا المالك ، والذي تحول سلوكه هذا إلى باب كبير من أبواب الإنفاق وفعل الخير لصالح الأثرياء والفقراء على حد سواء ، إلا أن ذلك يعتبر مخالفاً لتعليمات البنك المركزي بشأن نسب التملك وضرورة أخذ موافقته المسبقة في حالة رفعها عن 5 % ، والذي يؤدي إلى تكريس الإدارة الفردية لذلك المصرف ، مما قد يفضي إلى مخاطر كبيرة في نهاية المطاف ، والتي قد تتجاوز بكثير البنك المعني ، سواء كانت تلك المخاطر مادية أو معنوية .
من جانب آخر ، يتردد قيام بعض عملاء البنوك ، خاصة ما قبل الأزمة الحالية بالاقتراض بأسماء مختلفة لتلبية طلباتهم الائتمانية سواء كانت مدروسة أو غير مدروسة ، وذلك تفادياً لتجاوز حدود نسب الائتمان الموضوعة من جانب البنك المركزي التي يجب أن لا تفوق 10% من حقوق مساهمي البنك للعميل الواحد ، فعلى سبيل المثال ، تكون الحدود القصوى لإقراض عميل ما 200 مليون د.ك لدى بنك معين ، بينما يرغب ذلك العميل باقتراض 500 مليون د.ك ، فيقوم ذلك العميل بالإيعاز لعده أطراف مرتبطة به ، سواء كانوا مؤسسات أو أفرادا بتقديم طلبات قروض بمبلغ 300 مليون د.ك حتى يمكن تغطية مبلغ الاقتراض المطلوب البالغ 500 مليون د.ك ، وذلك دون الإخلال المباشر والواضح لتعليمات البنك المركزي ، ومن ثم تحوّل تلك الأطراف مبلغ 300 مليون د.ك لذلك العميل ، مما يحقق هدفه بقبضه 500 مليون د.ك في نهاية المطاف ، ولا شك بأن ذلك -إن ثبت - يعتبر التفافا واضحاً على تعليمات البنك المركزي ويضرب عرض الحائط بحوكمة البنوك خاصة بما يتعلق بتركز المخاطر .
ومن هذا المنطلق ، فإننا نطالب بنك الكويت المركزي ، وهو المعروف بحرصه الشديد على سلامة الجهاز المصرفي ، وفوق ذلك حرصه على سمعة دولة الكويت المالية والاقتصادية ، نطالبه بالتحقق من تلك التجاوزات المرتبطة بمخاطر التركز سواء كانت مرتبطة بالملكية أو الائتمان ، ومن ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة في حال وقوع تلك التجاوزات ، وذلك دون مجاملة أو محاباة لهذا الطرف أو ذاك ، رغم ما قد يكون هناك من حسن نوايا ، خاصة من جانب ما يتردد أن ملكيته المعلنة قد فاقت النسب المقررة قانوناً .
أداء الربع الرابع والعام 2009 ( تمخض الجبل فولد فأراً ! ) ليس هناك شك بحدوث عدة متغيرات عاصفة خلال الربع الرابع من العام 2009 ، سواء كانت تلك المتغيرات اقتصادية ، أي بما يتعلق بالشركات المدرجة أو بعضها تحديداً ، خاصة القيادية منها ، أو كانت تلك المتغيرات سياسية ، والتي كانت تلقي بظلالها بقوة على مجريات التداول ومؤشرات الأسعار في البورصة ، ومن البديهي أن تنعكس تلك المتغيرات على نتائج الشركات تفصيلياً وإجمالياً .
ومن أهم المتغيرات التي تؤثر على المحصلة الإجمالية ، هي نتائج القطاع المصرفي والشركات القيادية والكبرى الأخرى ، بالإضافة إلى متغيرات مؤشرات الأسعار في البورصة ، والتي تنعكس على تقييم المحافظ التي تمتلكها شريحة عريضة من الشركات المدرجة ، سواء كان امتلاك المحافظ من صميم عملها أو خارج إطار نشاطها ، حيث إن الفوضى سائدة في هذا المجال ، من حيث امتهان شركات غير متخصصة بالاستثمار المالي والمضاربة بالأسهم ، وأيضاً التلاعب بالتداول على أوسع نطاق دون حسيب أو رقيب .
ولا شك أن نتائج قطاع البنوك والشركات القيادية الأخرى للربع الرابع غير واضحة الآن ، ولكنها متواضعة بكل تأكيد ، بالمقارنة مع ذات الفترة حتى الربع الرابع 2007 ، أما فيما يتعلق بتأثير مؤشر السوق على النتائج في الربع الرابع فنتوقع أن يكون سلبياً ، حيث انخفض المؤشر الوزني 15% والسعري 10% خلال الربع المذكور ، والذي هو مقارب لأدائهما في الربع الأول 2009 بانخفاض 12% للوزني و 13% للسعري . وبناء عليه ، فإننا نتوقع أن تكون أرباح الربع الرابع أقل من الربع الأول من نفس العام والبالغة 108 ملايين د.ك ، وعندما نأخذ بالاعتبار احتمال تكوين البنوك للمزيد من المخصصات في نهاية العام ، بالإضافة إلى تدهور نتائج بعض الشركات التشغيلية الكبرى ، فإننا نتوقع أن تدور النتائج المجمعة لكل الشركات المدرجة في الربع الرابع حول نقطة التعادل ، أي أرباح طفيفة أو خسائر محدودة ، وعندما تصدق توقعاتنا تلك ، فإن مجمل أرباح العام 2009 سيبلغ نحو 732 مليون د.ك ، وهي ذات الأرباح المعلنة حتى ثلاثة أرباع العام 2009 ، وبالرغم من تواضع النتائج المتوقعة للربع الرابع 2009 إلا أنها أفضل – إن صدقت – بمراحل كبيرة عن ذات الربع من العام 2008 ، حيث بلغت الخسائر 3.3 مليار د.ك ، كما أن الأرباح المجمعة المتوقعة للعام 2009 على النحو المذكور أعلاه أفضل بكل تأكيد من صافي الخسائر للعام 2008 ، والتي بلغت 281 مليون د.ك ، ورغم أن النتائج الصفرية للربع الرابع 2009 أفضل من ذات الفترة من العام 2008 كما أسلفنا ، إلا أننا نود التذكير بأن تلك النتائج الصفرية المتوقعة هي محصلة عمل نحو 220 شركة مدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ، أي أن الجبل قد تمخض وولد فأرا كما يقال ، للأسف الشديد .
توقعات 2010 ( منهج غير تقليدي ! ) من الصعب بناء توقعات لفترة قصيرة بما يتعلق بالبورصة ، ومن الأكثر صعوبة بناء التوقعات للعام القادم 2010 ، وذلك لتعدد المتغيرات خاصة السياسية منها ، والتي تلقى بثقلها على المشهد الاقتصادي بكل تأكيد ، حيث إن حالة التخلف الاقتصادي التي نعيشها لفترة ليست بالقصيرة ، هي نتاج طبيعي وبديهي للفوضى السياسية السائدة ، والتي تعتبر مسئولية السلطة التنفيذية بالدرجة الأولى، حيث إن ما يردده البعض من فساد شريحة عريضة من أعضاء السلطة التشريعية ، هو – في حقيقة الأمر - نتيجة لفساد أكبر وأعظم يلف السلطة التنفيذية ، ولا شك أن الوضع السياسي السائد والمؤسف هو المؤثر على مؤشر البورصة في نهاية المطاف ، وذلك بالرغم من محاولة إنعاشه من فترة لأخرى بواسطة المحفظة الوطنية ، والتي هي "تخريبية" في واقع الأمر ، نظرا لعبثها بآلية العرض والطلب ، وقد انتقدناها موضوعياً في عدة مناسبات ولا داعي لإعادة ذلك في هذا المقام .
وعلى كل حال ، فإنه بالرغم من البيئة الاقتصادية الموبوءة ، والتي تفجر مفاجآت سلبية من وقت لآخر ، إلا أننا نبحث دائماً عن نقطة مضيئة لنعتبرها بارقة أمل تنقذنا من الوضع المحبط ، وربما تكون النقطة المضيئة التي لمسناها مؤخراً ، هي صعود سمو رئيس مجلس الوزراء إلى منصة الاستجواب ونيله ثقة أغلبية أعضاء البرلمان ، والذي يعتبر بارقة أمل لتكريس النهج الديمقراطي والبعد عن السلوك الاستبدادي .
وعليه ، فإننا سنسلك منهجاً غير تقليدي في بناء توقعات العام المقبل 2010 ، وذلك لغياب المعطيات العلمية لتطبيق الإجراءات المهنية التقليدية ، وستعتمد توقعاتنا هذه المرة على احتمالات وسيناريوهات الأداء السياسي ، وذلك على خلفية جلسة استجواب سمو رئيس الوزراء يوم الثلاثاء الموافق 8/12/2009 ، حيث كسب مؤشر البورصة أكثر من 7% على أثرها ، وقد كنا نرى أن الأداء الحكومي كان دون مستوى الصفر قبل الجلسة المذكورة ، وقد ارتفع مؤشر ذلك الأداء إلى الصفر ، وهو اختراق إيجابي واضح يستحق التشجيع ، وعليه ، فإننا نتوقع أن يرتفع مؤشر البورصة بضعف أداء المؤشر الحكومي ، ولن نطمع ولن نتفاءل كثيراً في توقع الأداء الحكومي ، لكننا نتمنى أن يكون ايجابياً ولو بمعدل 5% خلال العام 2010 ، وإن تم ذلك ، فإننا نتوقع لمؤشر البورصة ارتفاعاً بنسبة مضاعفة لذلك العام أي بنسبة 10% ، وليعذرنا قراءنا الكرام لاستخدام نموذج غير علمي وغير تقليدي في بناء التوقعات هذه المرة ، لأن المنطق والأصول العلمية غائبة في الوقت الراهن للأسف الشديد .