فى مقالى السابق ( الادارة سر النجاح ... ) وجدت العديد من القراء الافاضل قد اتفقوا معى على ان الادارة الواعية المبدعة الواعدة تفعل الكثير وتنجز العديد ولقد اهتممت بالنماذج الادارية الناجحة والقيادات الفذة فلاحظت امرا هاما الا وهو ان نجاح القيادة والقدوة لايأتى من نفس خائفة او يد مرتعشة , ولقد تتبعت الكثير من الاحداث والوقائع التى خلدت على مر التاريخ فلاحظت ان قائلها لو تسرب الخوف الى قلبه ما سمعنا بهذا الحدث او تلك الواقعة .
ان التاريخ لايخلد الخائفين او المرجفين . بل يخلد الواثقين . وان الادارة الناجحة هى الادارة الواثقة , وهذا يرجع الى ان الخائفين لا يصنعون التاريخ !!! بل يصنعه الشجعان الواثقون الذى لا يعرف الخوف الى قلبهم سبيلا .
ولعل هذا ما قصده الخليفة العادل عمر بن الخطاب فى قوله ( لاخير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها ) فهو يحض على قول الحق والجهر به ولو فى وجه السلطان ... بل فى وجه من اذا سلك طريقا سلك الشيطان طريقا اخر غير الذى سلكه عمر .. لله در ما اعظمك .. وما اروعك من قائد يحث رعيته على عدم الخوف او السكوت على ما يرونه خطأ ...
فيزرع فى نفوسهم عدم الخوف ... لان الخائفين لا يصنعون التاريخ !!! وهذا الامام العلامة الشافعى يقول ( رحم الله امرأ اهدى الى عيوب نفسى !!!)
فهو هنا يحض اتباعه وتلامذته على التصريح بما يرونه من عيوب ولو للامام العلامة القدوة احد اهم ائمة الفقه المعتبرين .. انه هنا يعلمهم قول الحق ولو فى وجهه رحمه الله .. وكان من نتاج هذا الفكر المبدع والادارة الواعية تلك المناظرات بينه وبين احد تلامذته الامام احمد بن حنبل ما حفظ فى التاريخ واتحفتنا به روائع التراث الاسلامى .
بل لم يستنكف الامام الشافعى ان يمدح الامام احمد وهو تلميذه فى رائعة مازلت احفظها منذ قراتها :
قالوا يزورك احمد وتزوره قلت المكارم لا تفارق بيته ان زارنى فبفضله وان زرته فلفضله فالفضل فى الحالين له
انظر كيف يعلم الاستاذ تلميذه على عدم الخوف والجهر بما يراه حقا اوصوابا بل كان من نتاج هذه الادارة المبدعة ظهور واحد من اعظم ائمة الفقه الاسلامى الا وهو الامام القدوة صاحب المذهب الاسلامى الخالد الامام احمد بن حنبل رحمه الله .وهذا لان الخائفين لا يصنعون التاريخ !!!
وهذاالاعرابى الذى قال للرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم ( انكم بنى عبد المطلب قوم مطل فكاد يفتك به عمر بن الخطاب ولكن رسول الله القائد العظيم يقول لعمر ( هلا امرته بحسن الطلب وامرتنى بحسن الاداء ).
انه هنا يعلم كلا من عمر و الاعرابى على عدم الخوف والتصريح بما يرونه حقا ولم يفرح بغيرة عمر عليه ودفاعه عنه صلى الله عليه وسلم حتى وان كان حقا ... اين هذا ممن يهلل لمديره فى كل حال حتى وان كان الامر واضحا وضوح الشمس انه خطأ, ويلتمس لمديره الاخطاء تلو الاخطاء دون ان ينصحه او يبادر الى تنبيهه لان مديره يعتبر من يفعل ذلك قد اساء الادب وينبغى ان يعاقب فيزرع الخوف فى قلب المرؤسين والموظفين ..
وفى توجيه نبوى عظيم بالنهى على ان يكون الانسان امعة ولكن ( وطنوا انفسكم على الاحسان , ان احسن الناس ان تحسنوا , وان اسأوا ان تتجنبوا اسأتهم ). ولذلك ذكرهم التاريخ ولم نسمع عن الخائفين ولم يذكرهم التاريخ .. لان الخائفين لا يصنعون التاريخ !!!
ولو استطردت فى ذكر الكثير من الاحداث والقصص والوقائع لذكرنا العديد والعديد منها فى تاريخنا الحديث والقديم .
ان بعض المديرين – للاسف الشديد – يزرعون الخوف فى قلوب موظفيهم ويشددون عليهم ولو فيما يرونه صوابا او حقا لانهم يعتبرون ذلك من قبيل اساءة الادب او قلة التهذيب ولو كان الامر واضحا انه خطأ بينا . ولقد قابلت فى حياتى العملية العديد من المديرين ممن يحبون ان يسمعوا عبارات المديح لكل ما يفعلونه , ويعتبرون من يفعل ذلك من مرؤسيهم دليل على ولائه وحسن ادائه .
اين هذا من مدير يتخبط فى قرارته , ويصدر كل يوم قرار يناقض سابقه ويضع شركته او مؤسسته على حافة الهاوية ولا يجد الا من يطبل ويصفق له من المرؤسين والموظفين . ان صناعة الموظف الكفء تكون بنزع الخوف من قلبه وتعوده على الصراحة وذكر الجيد من الامور والحلول ولو لم يكن لها صدى لدى رؤسائه وان الادارة الواعية التى تحث موظفيها على الابداع والثقة وتزرعهما فى نفوسهم هى الادارة الناجحة .
وذلك لان الخائفين لا يصنعون التاريخ !!! .... فهل تتفقون معى ؟!!!