ماتت دنانيير جلوبل !!

25/05/2009 10
انور بانافع

من نوادر جحا ان اتاه احد جيرانه ووضع عنده عشرة دنانير حتى يرجع من سفره... وعندما عاد الرجل لياخذ ماله اعطاه جحا احد عشر دينار، فتعجب الرجل وقال " قد اعطيتك عشرة دنانير لاغير" ... رد عليه جحا " اما علمت ان دينار لك قد انجب دينارا وهذا هو المولود الجديد ".

 

ذاع صيت جحا في القرية " الدنانير تلد عند جحا " ... فتوافد الناس يضعون نقودهم عند جحا حتى اصبح عنده الاف الدنانيير ... وفي احد الايام هم جحا بالرحيل من القرية .... فناداه الناس " الى اين ياجحا " .... فقال " اني امرض كثيرا في هذه القريه وساهاجر منها ".... فقالوا " اين الاموال " فرد عليهم انها قد مرضت وماتت جميعا " .... فقالوا " او تمرض الدنانير وتموت "... فقال " عجبا اما انكم صدقتم ان الدنانير تلد فلماذا لا تصدقون انها تموت!! "

 

قد يصدق الناس " ان الدنانير تموت " اذا ما تاملوا في الاحداث الاخيرة التي تعرضت لها بعض الشركات في المنطقة وخصوصا تلك التي تعمل في قطاع الاستثمار وادارة الاموال نتيجة لازمة الائتمان التي خيمت على اقتصاديات العالم خلال الربع الاخير من العام الماضي، وكما كانت الدنانير تلد عند شركة " جلوبل " الكويتيه على مدى سنوات عده تصدرت فيها شركات الاستثمار في المنطقة، فقد ماتت الدنانير عند " جلوبل " بخسائر كبيرة ذهبت بكل ماحققته الشركة خلال حياتها في عالم الاستثمار.

 

خلال العقد الماضي استطاعت شركة " جلوبل " ان تستثمر الانتعاش الذي شهده قطاع الاستثمار مع الطفرة الغير مسبوقه لاسواق المال في المنطقة، وبمراجعة تاريخ الشركة بدات الشركة براس مال 15 مليون دينار واعتمدت الشركة في بدايتها على التمويل الذاتي ، وتراوحت ارباحها بين 2 الى 3 مليون دينار في خلال الثلاث سنوات الاولى من الالفية الثانيه، اتجهت الشركة بعد ذلك لتوسيع نشاطها واخذت في الاعتماد بشكل اكبر على التمويل الخارجي.

 

تضاعفت اصول الشركة بشكل مهول من حوالي 19 مليون دينار في عام 2000 الى اكثر من مليار و مئتين مليون دينار بنهاية العام 2008 اي باكثر من 60 ضعف ، في المقابل ارتفعت مديونيه الشركة خلال نفس الفترة من مجرد 500 الف دينار الى اكثر من  912 مليون دينار، في حين نمت حقوق الملكية من 18.9 مليون دينار الى اكثر من 303 مليون ريال اي بنحو 16 ضعف.

 

ذاع صيت " جلوبل " وانتشر وتهافت الناس على توصياتها واصبحت تدير اموال ومحافظ للغير بقيمة اجمالية تجاوزت الـ 2 مليار دينار، وصلت ارباح الشركة خلال العام 2006 اكثر من 110 مليون دينار وتراجعت قليلا خلال العام 2007 الى حوالي 91 مليون دينار، واستمرت التدفقات النقدية القوية والارباح العالية في بداية العام 2008 " وقد يكون ذلك بمثابة الطعم الذي جعل الشركة تفرط بسيولة المتوفره من زيادة راس المال اول عام 2008 بدلا من الاحتفاظ بها لمواجهة التزاماتها خصوصا وان معضمها يستحق في فترات قريبه" حيث بلغت ارباحهم خلال التسعة اشهر الاولى من العام 2008 اكثر من 100 مليون دينار.

 

خسرت الشركة 360 مليون ريال خلال الربع الرابع فقط وبلغت خسائر العام 257 مليون دينار، في حين ان ارباح الشركة المجمعة خلال عدة سنوات وبالتحديد منذ العام 2000 وحتى نهاية العام 2007 بلغت مايقارب 266 مليون دينار.

 

في فترات الازمات تصبح حتى " الاستثمارات قصيرة الاجل او المحتفظ بها للمتاجرة " صعبة التسييل، و ماحصل في " جلوبل " انها واجهت سيل من الديون قصيرة الاجل والتي تستحق في فترات قريبه " اقل من سنه " ، فلم يكن امامها سوى احد الخيارين اما اللجوء للاقتراض و اعادة جدولة الديون او تسييل ماستثمرته بالامس بخساره، ولاتزال الشركة تحاول تحقيق الخيار الاول بينما الخيار الثاني ساري المفعول، حيث اضطرت الى بيع بعض اصولها المالية منها حصتها في بنك البحرين والكويت بخسارة 18 مليون دينار، و الله وحده فقط يعلم كم من الدنانيير شيعت في الربع الاول من العام الحالي.

 

لا شك ان الازمة العالمية اثرت على الجميع ولم يسلم منها احد ... ولاشك ان قطاع الاستثمار كان الاكثر ضررا .. بحكم تضرر الاسواق المالية... ولكن ما حدث لـ " جلوبل "  مؤشر واضح على ضعف ادارة المخاطر عند الشركة "قليلا من الحذر كان كفيلا بتجنيب الشركة الكثير من الويلات"، وبالتاكيد ان الشركة اخذت درسا لن تنساه اذا ما كتب الله لها البقاء.