إن اعتماد طريقة جديدة للتفكير بشأن التنمية، التي تشكل حجر الزاوية لأي جهد يرمي إلى تخفيض الفقر، ليس واجباً أخلاقياً وحسب، لكنه ضرورة اقتصادية أيضاً وهذا ما يتوفر للتعاونيات بأشكالها المختلفة. فلتعاونيات الإنتاجية الزراعية دور فعال في تقليل الحد من الفقر حيث تبنت التعاونيات شعار الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، فأصبحت التعاونيات باعتبارها أداة من أدوات التأثير و التغيير الإجتماعي تساهم وتؤدي إلي تقليل التوترات العرقية وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي.
تقوم فلسفة التنمية التعاونية بصورة عامة على فكرة المساواة وأن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"، وعليه فإن مكاسب التطور الاقتصادي يجب أن تنعكس إيجابياً على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن، وأن يكون أول المستفيدين من هذا النمو الاقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمسنين والمرضى والمجموعات الأكثر فقراً في المجتمع والمجتمعات الأقل نمواً ، والذين يمكن أن يساهموا في خلق و إنتاج هذه الخدمات والإستفادة منها في نفس الوقت من خلال تنظيمهم في شكل من أشكال العمل التعاوني الإنتاجي. ولا شك أن الإيمان بهذه الفلسفة دافعه الأول أن العلاقة بين زيادة النمو وتقليل الفقر طردية موجبة؛ لأن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل، وإلى صحة أفضل سوف يساهم بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي. وتأكد التجارب العالمية إن زيادة النمو بمعدل نقطة مئوية واحدة أدت إلى تقليل عدد الفقراء بنسبة 3% أو أكثر. إن تركيز السياسات الاقتصادية على تقليل الفقر، وتحقيق العدالة من خلال إعادة هيكلة المجتمع ، في إطار العمل التعاوني الشعبي يعين علي إحترام إنسانية المواطنين ويرفع من قدرهم الإقتصادي و الإجتماعي، ولذلك يجب تبني سياسات و إإستراتيجيات معينة لتقليل الفقر. مثل زيادة امتلاك الفقراء الأراضي ورأس المال المادي ورفع مستويات تدريب العمالة وزيادة الرفاهية العامة وتم التركيز على تحسين الزيادة النوعية والكمية في عوامل الإنتاج المتاحة للفقراء، مع الإهتمام و العناية بالمجموعات الأشد فقراً من السكان الفقراء في الريف والحضر. كما يجب الاهتمام القومي بمشكلة الفقر نتيجة تدهور أوضاع صغار المزارعين الناجم عن انخفاض الأسعار وزيادة تكلفة الإنتاج.
للمنظمات التعاونيات مساهمة واضحة في التخفيف من حدة الفقر، فالتعاونيات تجمع أفراد المجتمعات المحلية فى شكل فعال من أشكال التساند الاجتماعى إما كمنتجين ليس لاى منهم القدرة على الانتاج منفردا (تعاونيات الانتاج الحرفى والزراعى والسمكى) أو كمستهلكين لا يستطيع أى منهم فى حدود قوته الشرائية المحدودة أن يتعامل مع السوق العادى وأسعاره العالية(تعاونيات الاسكان والاستهلاكية للسلع والاستهلاكية للخدمات). ومن ثم فالتعاونيات تخلق أنشطة مولدة للدخل أو تعظم الاستفادة للقوة الشرائية للاعضاء ، وفى كلتا الحالتين فإنها تسهم بشكل فعال فى الحد من ظاهر الفقروتخفيف أثارها، بجانب تقديمها جزء من الفائض الذى تحققه (5% من صافى الفائض) للبيئة المحلية وهى بهذا ترفع من المستوى الاقتصادى والاجتماعى بهذه البيئة. والتعاونيات لها القدرة على الوصول الى الفقراء فى مناطقهم المختلفة ، فالتعاونية نتاج تجمع أفراد لا يستطيع أى منهم منفردا أن يحل مشكلته ، وبينما لم تستطع الشركات والهيئات والمنظمات العامة أن تصل الى هؤلاء الفقراء لأن التواجد الرسمى يكاد يكون منعدما فى العشوائيات، وبينما لا يجد القطاع الخاص حافزه الربحى للعمل فى هذه المناطق تبرز أهمية التعاونيات سواء فى مجال السلع أو الخدمات كالألية الوحيدة المنطقية.
وتحتاج التعاونيات الاستهلاكية لتحقيق فعالية حضورها فى هذه المناطق الى تعويض من الدولة حيث أنها فى هذه الحالة تؤدى أدوارا كان لزاما على الدولة تقوم بها ، وفى مقابل ما يترتب على القيام بهذا الدور من استقرار اقتصادى واجتماعى وأمنى. وذلك لأنها لا تستهدف الربح فتعظم القوة الشرائية للمتعاملين معها وتقدم لهم بالتالى إحدى صور الدعم ، وتجعلهم أكثر قدرة على اشباع احتياجاتهم ، ومن ثم يقترب الكثيرين من خط الفقر بل ويتخطونه من جراء تعاملهم مع التعاونيات. فتقدم التعاونيات مجالات لبيع منتجات الأسر الفقيرة ، ومن ثم توفر لها استقرار مصدر الرزق ، أيضا المشروعات القائمة على القروض الصغيرة أو القروض متناهية الصغر التى يلجأ اليها الصندوق الاجتماعى للتنمية وتعانى مشاكل تسويقية حادة تجد فى التعاونيات متنفسا لها لعلاج هذه المشكلة. لأن هذه المناطق تحتاج الى تعاونيات الخدمات كالخدمات التعليمية والخدمات الصحية وخدمات البيئة وخدمات النقل ، وبدون هذه التعاونيات تظل حاجة هذه المجتمعات الى تلك الخدمات بدون إشباع. وتختلف التعاونيات هنا عن الجمعيات الخيرية في التصدى لهذه الظاهرة ، إلا أن ارتباط البعض منها باتجاهات سياسية أو دينية عليها تحفظات أمنية ، يجعل الباب مفتوحا أمام التعاونيات الاستهلاكية لملأ الفراغ الناتج عن انسحاب تلك الجمعيات بينما لا يوجد دور حكومى. هذا الي جانب مساهمة المنظمات التعاونيات في حل مشكلة البطالة، تشير البيانات الرسمية الى ارتفاع معدل البطالة الى أكثر من 9.9% في بعض الدول هذا مع عدم وجود نظام إعانة للعاطلين عن العمل الأمر الذى يؤدى الى تزايد الاتجاه الى العنف والجريمة، وتتميز البطالة فى السودان بأنها تجمع أنواع البطالة المختلفة وترتفع نسبة البطالة بين الشباب كما ترتفع هذه النسبة بين المتعلمين الأمر الذى يعنى إهدار أهم عناصر الانتاج فى المجتمع. يساعج النزام التعاوني تجمع الراغبين فى العمل فى شكل من أشكال التعاون الحرفى أو الزراعى أو السمكى ، لتنفيذ مشاريع نشر الصناعات الحرفية لاتاحة فرص عمل جديدة للشباب بالتعاون بين الاتحاد التعاونى الحرفي ومنظمات المجتمع المدني وجهات الاختصاص. وذلك في شكل مشروعات تستهدف خلق فرص عمل للشباب واعداد جيل جديد من صغار رجار الاعمال، من خلال الإتزام بتوفير المقومات الاساسية لنجاح الانشطة الجديدة ومن بينها التمويل المباشر وتبنى برامج تدريب المستهدفين وتقديم المعونة الفنية لتحسين مواصفات المنتجات والترويج الاجتماعى للمشروع لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الافراد من الانضمام اليه. هذا الي جانب دور ومساهمة المنظمات التعاونيات في تنمية الريف والحفاظ علي الصناعات والحرف اليدوية والتراث من الأندثار.
مقال جميل وإن كنت أشك في جدوى الجمعيات التعاونية في ظل وجود محلات تجارية تدار بكفاءة اقتصادية عالية من خلال آلية التستر!