كيف أصبحت إيران عدوة نفسها؟

28/08/2012 1
د. فواز العلمي

الأرقام تكشف تراجع إيران بسبب استمرار الزعيم "نجاد" في سياسة العناد التي خنقت الاقتصاد الإيراني فبات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وذلك نتيجة لتهالك البنية التحتية وتسرب المبالغ الطائلة من عائدات النفط الإيراني لتنفيذ المشروع النووي.

مهما تراجعت قدرات إيران الاقتصادية وتدهورت مراتبها في التنافسية العالمية، يستمر زعماء إيران في تزكية "أحمدي نجاد" لفترة رئاسية أخرى يتمتع فيها بقيادة بلاده نحو الهاوية بخطوات متسارعة.

منذ توليه الرئاسة في عام 2005 لم يشهد العالم تراجعاً في حرية الإعلام وتقهقراً في نمو الاقتصاد مثلما تشهده إيران في فترة حكم "نجاد". بعد فترتين من رئاسته بلغت الرقابة على حرية التعبير في الصحافة أعلى مستوياتها، مما أدى إلى إغلاق 17 صحيفة أسبوعية و8 مجلات شهرية، إضافة إلى الحُكم بالسجن والجلد على أكثر من 320 صحفياً وكاتبا إيرانياً.

وفي الفترة الأخيرة من زعامته تراجعت مرتبة إيران في الحرية الاقتصادية إلى المركز 150 من بين 157 دولة، وانكمش اقتصاد إيران المريض بنسبة 46%، ذلك في الوقت الذي حققت الدول الخليجية نمواً مميزاً في هذا المجال ومراكز متقدمة في ممارسة الأعمال، لتقفز السعودية إلى المرتبة 14 والبحرين 37 وعُمان 54 والكويت إلى المرتبة 57.

في الأسبوع الماضي أعلن "علي رضا محجوب" عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني للدورة الحالية عن إغلاق 1200 مصنع ومنشأة خلال عام 2011 فقط، وهذا يعادل 80% من المنشآت الإنتاجية في شمال إيران. ونتيجة لذلك فقد 80 ألف عامل وظائفهم. كما أعلن "عادل آذر"، رئيس مركز الإحصاءات في إيران ورئيس جامعة مدرس في طهران، بإن 10 ملايين إيراني أصبحوا اليوم يعيشون تحت خط الفقر المطلق و30 مليونا يعيشون تحت خط الفقر النسبي. أما "حسين نادري" المساعد الأول لوزير التعليم فقد أعلن أن أكثر من 50% من أصحاب شهادات الدكتوراه أصبحوا اليوم عاطلين عن العمل.

منذ سريان الحظر الاقتصادي عليها، تخسر إيران 133 مليون دولار يومياً من المبيعات النفطية، حيث هبطت صادراتها من الطاقة بأكثر من 50% وهو ما يعادل نحو 10% من اقتصادها.

سياسة "نجاد" في معاداته لدول الشرق والغرب وتعديه على جيرانه في الخليج العربي وتهافته على تطوير أسلحته المدمرة أدت إلى تقهقر إيران في التنافسية العالمية إلى المرتبة 135 من بين 178 دولة وتراجع تدفق الاستثمار في أسواقها للمرتبة 80 من بين 169 دولة، وارتفاع مستوى المخاطر المحدقة بهذه الاستثمارات إلى المرتبة 96 من بين 142 دولة. ونتيجة لتردي أحوالها الاقتصادية، تدفقت خارج إيران أكثر من 300 مليار دولار أميركي في السنوات الثلاثة الماضية، التي تعادل 125% من إجمالي الناتج الإيراني السنوي.

لدى انتخابه في عام 2005م، تعهد "أحمدي نجاد" بالتوزيع العادل للثروة النفطية الإيرانية، حيث كان معدل التضخم في إيران حينذاك لا يزيد عن 10%، وبدأ في استخدام إيرادات النفط والغاز للإنفاق السخي على المشاريع غير المدروسة وترسانات أسلحته الفتاكة. وعلى الرغم من وصول النفط إلى أسعار خيالية، إلا أن الوضع الاقتصادي في إيران استمر في التراجع، وصاحب ذلك تفاقم الفجوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة وزيادة معاناة العمال والفلاحين وموظفي الدولة من المشاكل الاقتصادية والمعيشية.

وسط خيبة أعضاء البرلمان الإيراني، أظهرت كافة الدراسات الرسمية الإيرانية أن نسبة التضخم في عهد "أحمدي نجاد" فاقت هذا العام 33% بسبب ارتفاع أسعار السلع بنسبة 90% والسكن بنسبة 83%، وصاحب ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 26% وانخفاض الدخل بنسبة 72%. ومنذ اندلاع الثورة الإيرانية، تفاقمت أعداد الفقراء في إيران لتتخطى نسبتهم اليوم 32% من سكان إيران، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنسبة 30%، ليصل إلى نصف مثيله في الدول الخليجية، علماً بأن أسعار النفط ارتفعت خلال نفس الفترة 25 ضعفاً.

هذه النتائج الوخيمة التي منيَ بها الاقتصاد الإيراني أدت إلى ارتفاع أسعار العقار بأكثر من 100% خلال العام الماضي، لتصل أسعار الأراضي في أحياء طهران الراقية إلى 16 ألف دولار أميركي للمتر المربع، وهي ثروة كبيرة مقارنة بمتوسط الراتب الشهري للفرد في العاصمة الذي لا يتجاوز 500 دولار. كما زادت الأزمة المالية العالمية من تفاقم الأحوال الاقتصادية الإيرانية، مما دفع حكومة "أحمدي نجاد" لسحب مبالغ طائلة من صناديقها الاحتياطية، لمواجهة العجز المزمن في ميزانيتها.

هذه الحقائق الخطيرة تكشف مدى تراجع إيران بسبب استمرار الزعيم "نجاد" في سياسة العناد التي خنقت الاقتصاد الإيراني فبات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وذلك نتيجة لتهالك البنية التحتية وتسرب المبالغ الطائلة من عائدات النفط الإيراني لتنفيذ المشروع النووي الإيراني.

في العام الماضي فرض "أحمدي نجاد" ضريبة جديدة للقيمة المضافة تبلغ 3%، مما دفع التجار ذوي النفوذ الواسع في النظام السياسي الإيراني إلى إغلاق محالهم التجارية وتنفيذ أول إضراب لهم منذ قيام الثورة، وانتهى الأمر بتعليق الحكومة الإيرانية تطبيق هذه الضريبة حتى إشعار آخر. وبعد مضي 4 سنوات على فترة رئاسته، بدأت إيران في تقنين شراء البنزين لتخفيض كميته المستوردة إلى النصف، علماً بأن إيران تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في إنتاج النفط والمرتبة الثانية في إنتاج الغاز.

ولدى تجديد فترة انتخابه في عام 2009م، أصّر "أحمدي نجاد" على رأيه المعارض لرأي طاقم حكومته، الذي انعكس سلباً على أزمة إيران الاقتصادية فاستبدل 9 من أعضاء حكومته، 7 منهم في مناصب اقتصادية قيادية.

لعل الشعب الإيراني الذكي يتابع هذه الحقائق ليقف سداً منيعاً أمام كل من يسعى لخراب بلاده.