شمل محافظ مؤسسة النقد في مؤتمره الصحفي الأخير العديد من النقاط المهمة التي كان الجميع ينتظر إجابات لها منذ فترة طويلة وإذا كانت ملامح ما تحقق من فائض مالي كبير في العام 2008م واضحة بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية مع ارتفاع الطلب أيضا إلا أن المهم في الإجابات المنتظرة كانت تتعلق بالعام الحالي 2009
الذي اعتبره الجميع عالمياً بأنه أقسى مراحل الأزمة، وقد ذكر المحافظ أن سياسة المملكة النقدية كانت تهدف إلى خلق الاستقرار الاقتصادي في نهاية المطاف من خلال بناء احتياطات تلغي أثر تذبذب أسعار النفط وتأثيراته على مستوى الإنفاق والخطط التنموية والعجز بالميزانيات وطرق سدها دون اللجوء إلى سوق الإقراض.
ولكن في نظرة على أبرز النقاط التي علق عليها في مؤتمره الصحفي فقد ذكر وللمرة الأولى أن هناك تأثيراً لمجموعتي السعد والقصيبي على ربحية القطاع المصرفي نافياً أن يكون هناك تأثير على قوة البنوك المالية وأن تراجع أرباح البنوك هو فقط ما سيكون عليه الحال. إذا نستنتج أن البنوك ستنخفض أرباحها وبالتالي هناك تقييم جديد لها من ناحية الأسعار المستحقة ومن ناحية توزيعاتها النقدية للمستثمرين وهذا ما سيكون له أثر سلبي على قطاع المصارف ولكن يبقى حجم الضرر غامضاً فأي البنوك تضرر أكثر من غيره وكم حجم الضرر العام أسئلة تبقى حائرة إلى حين وكأن المستثمرين لا حق لهم في معرفة مثل هذه الحقائق.
معالي المحافظ اعتبر أن تكتم البنوك عن هذا الموضوع يعتبر سرية مصرفية وهنا يجب أن نسأل هل من حق المستثمر الذي يعتبر مالكاً وشريكاً في أي مصرف موجود كشركة مساهمة عامة أن يعرف حقيقة ما يجري في ممتلكاته حتى يعرف كيف يتعامل مع المرحلة القادمة.
أما فيما يخص ملف التضخم الذي يحمل حساسية في أي دولة بالعالم لصانعي السياسة النقدية والمالية وبتراجع التضخم إلى مستوى 4.2 من 11 بالمائة تبدو المؤسسة مرتاحة لهذه المستويات لأنها تسمح لها بضخ مزيد من السيولة وكذلك عدم اللجوء إلى رفع أسعار الفائدة لفترة طويلة ولكن مشكلة التضخم أننا لا نستطيع التحكم بتفاصيله المؤثرة فنحن نستورد جل احتياجاتنا من الخارج الغذائية وغيرها وبالتالي ارتفاع الأسعار سيرفع من معدلات التضخم مجدداً أما ملف العقار وتأثير ارتفاع الإيجارات في التضخم وتوقع المؤسسة أن تتراجع بسبب زيادة المعروض من جهة وقياساً بما حدث في سبعينيات القرن الماضي فيجب أن ننظر أيضاً إلى حقيقة مهمة الزيادة الكبيرة بعدد السكان من مواطنين ووافدين وحاجة سوق الإسكان إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية حالياً وكذلك تأخر صدور نظام الرهن الذي من شأنه أن يسرع من وتيرة توفير معروض جيد يسد جزءاً من الفجوة مع الطلب الكبير حالياً ومن هنا فإن العوامل المؤثرة في تغير الأسعار لم تتبدل كثيراً ولن يكون هناك تراجع بالإيجارات بأكثر من 3 إلى 5 بالمائة من أعلى الأسعار وقد يكون مؤقتاً خصوصاً أن مستوى إنفاق الحكومة على المشاريع كبير وتزداد معه الحركة التجارية والطلب على العمالة من الخارج وبالتالي فإن عامل التضخم لسنا مؤثرين فيه فما زال إنتاجنا المحلي أقل من احتياجنا بكثير خصوصاً مع زخم الإنفاق الحكومي للعام الحالي وللأعوام القادمة، كما أن تراجع معدلات التضخم ليس إيجابياً دائماً فمعروف أن النمو الاقتصادي يتواكب معه التضخم وبالتالي التراجع فيه قد يكون سلبياً بمعنى أنه يعبر عن ركود أو تراجع بمعدلات النمو كما أن الآليات المتبعة للتحكم بمعدلات التضخم تؤثر فيها عوامل خارجية خصوصاً ربط الريال بالدولار واتباع سياسة التحكم بأسعار الفائدة من خلال قرارت البنك الفيدرالي الأمريكي وهذا لا يعني أن الربط سلبي بالمطلق بقدر ما يجب إعادة النظر به فالمرحلة السابقة كان الربط إيجابياً لكن واقع المرحلة القادمة يتطلب دراسة أكثر عمقاً؛ فأمريكا تواجه أكبر مشكلة اقتصادية في تاريخها فهل دولارها سيكون كما السابق؟
أما ما يخص موضوع الوحدة النقدية أعتقد أن تطبيقه عندما تكون الظروف مهيئة لنجاحه أهم من تحديد تواريخ معينة وصحيح أن وضع مدد محددة لتنفيذ إجراء معين يحمل في طياته الحافز على سرعة الإنجاز ولكن عندما نعود لأغلب تصريحات المسؤولين الخليجيين عموماً منذ سنوات نجد أن كل حديثهم كان يشير إلى أن موعد إطلاق العملة الخليجية سيكون العام 2010 فكيف غابت هذه المعلومة عن الإعلام والمراقبين الاقتصاديين بأن العام القادم ليس أكثر من إنهاء الإجراءات والترتيبات وهذا يجعلنا نقع في لغط كبير فهل من صرح لم يكن لديه معلومة أن هناك فرقاً بين تاريخ إطلاق العملة وإنهاء إجراءات إطلاقها أم أن الإعلام والمراقبين هم المستعجلون بفهم التصريحات بشكل سطحي وكما يقال بالعامية (طايرين بالعجة) هذا ما يتضح من حديث معالي المحافظ ويشكل ذلك نقطة في غاية الأهمية وهي طريقة فهم التصريحات وفي لغة الإعلام فإن الرسالة تحتاج إلى مرسل ووسيلة ومستقبل ثم يكون رجع الصدى وهذا ما يحتاج إلى إعادة نظر في مكمن الخلل حتى نستطيع فهم ما يجري ويدور حولنا.
كنا نأمل أن يكون حديث المحافظ عن بعض الملفات الاقتصادية أكثر شفافية وكذلك نأمل أن تعطى المصارف حقها في الإفصاح الكامل عن أوضاعها لصالح المستثمرين فهذا حق طبيعي لا مساومة فيه ولا يوجد سرية مصرفية أو أنظمة تمنع مستثمراً من معرفة حقيقة استثماره أياً كان نشاط الشركة مالياً أو صناعياً أو خدمياً من المنطقي أن لا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل وإننا ما زلنا في بداية الطريق نحو بناء اقتصاد قوي تدعمه المعلومات ومن جهات عديدة سواء رسمية أو خاصة وأن طريقة بناء المعلومات والحصول عليها تحتاج إلى خطة عمل وبناء كامل قد تتحمل الجهات الرسمية مسؤولية رسم ومساندة بناء خطوطه ومحطاته ولكن يبقى على كل جهة ذات علاقة خصوصاً القطاع الخاص منها والإعلامي أيضا ترتيب أوضاعها في طريقة ما تقوم وتقدمه من عمل لأننا في مرحلة أولى من عصر المعلومات وتحليلها مما يتطلب جهوداً مضنية من جميع العاملين بمجال التحليل وتقديم المعلومات مع رفع مستوى الشفافية والإفصاح والسرعة بهما من قبل المسؤولين الحكوميين وكذلك بالقطاع الخاص حتى لا نبقى مستقين للمعلومات عن اقتصادنا وشركاتنا من الخارج.