إعادة النظر في وحدة تغير أسعار الأسهم السعودية

23/07/2012 12
د. فهد الحويماني

كمتابع لهيكلية سوق الأسهم السعودية أستغرب من التمسك بوحدة تغير سعر السهم المحددة حالياً بخمس هللات للأسهم التي سعرها 25 ريالا وأقل، وعشر هللات للأسهم التي سعرها أكثر من 25 ريالا حتى 50 ريالا، ومن ثم 25 هللة للأسهم التي سعرها أكثر من 50 ريالا. في هذه المقالة أبين أن هذا التصنيف لوحدة تغير السعر غير مفيد وضرره كبير على المتداولين وليس له تفسير منطقي مقبول، وبالتالي أدعو إلى إعادة النظر في ذلك وجعل وحدة التغير هللة واحدة فقط.

أولاً، أشير إلى أن وحدة التغير في سوق الأسهم السعودية كانت ريالاً واحداً منذ بداية تداول الأسهم بقرار تنظيم التداول في السوق عام 1984 حتى عام 1998 عندما تم تغييرها إلى ربع ريال، ومن ثم في أول عام 2006، قبل انهيار سوق الأسهم بشهر واحد، أعيدت إلى ريال واحد، وبعد شهرين أعيدت مرة أخرى إلى ربع ريال! وفي عام 2008 أعلن عن الفئات الجديدة (5 و10 و25 هللة دون أخذ آراء العموم حسب علمي ولا بدراسة تجارب الدول الأخرى). وقد بينت هيئة السوق المالية أن التغيير إلى هذه الفئات يهدف إلى "رفع كفاءة آلية تسعير الأسهم المتداولة وخفض التكلفة على المتداولين وزيادة السيولة في الأسهم"، وهي أهداف سليمة أتفق معها تماماً وهي من حيث التوجه تتوافق مع عدد كبير من الدراسات والمشاهدات في الأسواق العالمية التي انتقلت منذ سنين طويلة إلى استخدام أقل وحدة ممكنة للتداول.

ومن المعروف أن وحدات تغير السعر في البورصات العالمية كانت عالية ومحددة بشكل يتناسب مع الطرق التقليدية لتداول الأسهم من خلال المزادات الصوتية عندما لم يكن هناك وسائل إلكترونية مساعدة، حيث كان المتعاملون ينادون أسعار الأسهم بأصواتهم، فكان لزاماً عليهم التقيد بعدد محدود من الأسعار. وقد كان هناك بعض البورصات ممن تمسك بفئات أسعار عالية لحماية صناع السوق في تلك البورصات، وذلك لأن فارق السعر الكبير يستفيد منه صانع السوق الذي لا يدفع عمولة مقابل ما يقوم به من عمليات فيكون فارق السعر لصالحه أكثر من غيره. ولكن في مثل السوق السعودي الذي لا يوجد به صناع سوق (ويمكن الرجوع لمقال سابق في هذه الصحيفة حول هذا الموضوع)، فالإبقاء على الوحدات العالية لتغير السعر يضر بجودة السوق وسمعته ويلحق خسائر كبيرة بالمتعاملين به.

تجدر الإشارة هنا إلى أن وحدة تغير السعر هي التي تحدد الفارق بين سعري العرض والطلب، الذي لا يختلف اثنان على أنه يجب أن يقلص إلى أقل حد ممكن لما في ذلك من فوائد عديدة، منها ما بررته الهيئة نفسها عندما أجرت التغيير الأخير في وحدة تغير السعر، أعيدها هنا مرة أخرى لأهميتها: "رفع كفاءة آلية تسعير الأسهم المتداولة وخفض التكلفة على المتداولين وزيادة السيولة في الأسهم". ويتفق مع ذلك، على سبيل المثال، الباحث مايكل شوارتس من جامعة بيركلي في الولايات المتحدة، حيث يشير إلى أن تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب يحقق فوائد عظيمة منها أن الفارق الصغير يجذب صغار المستثمرين لأن تكلفة التداول تقل عليهم بشكل كبير، ويرفع من مستوى السيولة في السهم بإعطاء المتعاملين المرونة اللازمة لإدخال أوامر البيع والشراء بأسعار تفضيلية، وبالتالي يساعد على تقليص التذبذب في أسعار الأسهم ويساعد على استقرار الأسعار على المدى الطويل. وفي الواقع هناك عدد كبير من الدراسات التي تتحدث عن التأثير الكبير لتكلفة التداول، التي تشمل العمولة وفارق السعر، على أسعار الأسهم على المدى الطويل.

إذاً علينا أن نتفق على بعض المبادئ المهمة التي يتم تقييم جودة أسواق الأسهم بناء عليها، وهي أن يتحلى السوق بمستوى سيولة عالٍ، وتكون تكلفة التداول على جموع المتداولين متدنية، وألا يكون هناك تذبذبات حادة في أسعار الأسهم. وبالنظر إلى السوق السعودية نجد أن وحدة تغير سعر السهم الحالية لا تخدم هذه الأهداف بتاتاً، ولنأخذ مثالاً على الضرر الواقع على المتداول بسبب هذه الفئات، فمثلاً عندما نجد أن سهم إحدى الشركات مطلوب عند 8.90 ريال ومعروض عند 8.95 ريال، بفارق خمس هللات، فإن تكلفة التداول الفورية هي نصف نقطة مئوية، إضافة إلى تكلفة العمولة، وهي بلا شك تكلفة عالية تجعل المتداول يحجم عن مد السوق بالسيولة المطلوبة ويوقع خسائر كبيرة للمتعامل في سوق الأسهم دونما سبب وجيه.

ما الذي يمنع أن يكون الطلب في هذه الحالة 8.90 ريال والعرض 8.91 ريال؟ لا يوجد في الواقع ما يمنع ذلك، بل إن هذا هو الحاصل في كثير من الأسواق الخليجية والعربية والعالمية، بل إن بعض الأسواق تتعامل بأجزاء من الهللة. لا شيء في الواقع يمنع ذلك، ولكن هناك للأسف بعض المفاهيم الخاطئة لدى بعض المتداولين ممن اطلعت على آرائهم حول ذلك ممن يظن أن تقليص الفارق بهذا الشكل يخدم كبار المضاربين، وآخرون يقولون عكس ذلك في أنه يضر بالمضاربين الكبار وبالتالي يبعدهم عن السوق، حيث يُـعتقد أنه إذا كان الفارق كبيراً فالربح للمضارب كبير، وإن تدرج الأسعار بخمس هللات يجعل الربح خمس هللات فقط بدلاً من 25 هللة. وغني عن القول بأن هذه الاعتقادات خاطئة ولا تتفق مع آليات عمل الأسواق ولا مع ما نراه في تجارب الآخرين، حيث إن هناك شبه اتفاق على أن فارق السعر الكبير يضر بالجميع.

بل إن أكبر خطأ في نظري هو التصور لدى البعض بأنه مجبر على التعامل بالهللة الواحدة فيما لو كانت وحدة التغير هللة واحدة!

والحقيقة إن الشخص يستطيع أن يضع السعر كيفما يشاء، فإن أراد أن يتعامل بربع ريال فليجعل جميع أوامره خاضعة لوحدة ربع ريال، بل يستطيع أن يتعامل بريال كامل إن أراد ذلك. إذاً جعل وحدة التغير هللة واحدة تشمل جميع الفئات السعرية وتناسب توجهات جميع فئات المتعاملين وترفع من السيولة اليومية وتقلل التكلفة على المتداول وتحقق، على عكس ما قد يعتقده المشرع، عمولات أكبر لصالح الهيئة والبنوك والوسطاء نتيجة ارتفاع مستوى السيولة وزيادة عدد المتداولين.

حقيقة حاولت أن أتفهم بشتى الطرق الحكمة من هذه الفئات السعرية، التي تغيرت مراراً وتكراراً، ولم أستطع أن أجد سبباً منطقياً للعمل بها، بل وجدت أنها تتنافى مع الأهداف التي أقرت بها هيئة السوق المالية نفسها، وضررها كبير جداً ومكلف على المتداولين الذين يخاطرون بأموالهم، وهذه طبيعة أسواق المال بلا شك، إلا أن من المفترض أن يعمل النظام لصالحهم لا ضدهم. وأخيراً أهيب بهيئة السوق المالية أخذ زمام المبادرة وتقليص وحدة تغير سعر السهم إلى هللة واحدة والعمل على جعل السوق السعودية من أفضل الأسواق كفاءة وعدالة.