الإنعاش النقدي الأميركي والأسعار العالمية للنفط

18/07/2012 1
د.أنس الحجي

ثمة توقعات وشائعات بأن مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (المصرف المركزي) سيقوم بعملية إنعاش نقدي ثالثة في محاولة لحفز النمو الاقتصاد الأميركي، بعد فشل المحاولة الأولى والثانية في تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ، فبيانات البطالة والنمو الاقتصادي ما زالت مخيبة للآمال، في وقت تبقى فيه أسعار الفائدة قريبة من الصفر، وشبح الانهيار يتهدد منطقة اليورو، ووتيرة نمو الاقتصاد الصيني تتراجع. وقد يربط البعض بين قرار الإنعاش النقدي والانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن التوقيت هو مجرد مصادفة، لأن مجلس الاحتياط الفيديرالي مستقل تماماً عن الحكومة. والسؤال في هذا السياق هو: ما أثر هذا الإنعاش النقدي في أسواق النفط العالمية؟

يقوم المصرف المركزي بمهام كثيرة، منها التحكم بعرض النقود بطرق مباشرة وتقليدية وشائعة، مثل تغيير أسعار الفائدة وتحديد كمية الأموال التي يجب ان يحتفظ بها المصرف للقيام بالتعاملات اليومية. وأحياناً يضخ المصرف المركزي أموالاً في الاقتصاد عن طريق شراء سندات حكومية من مؤسسات مالية وأفراد. هذه العملية تسمى «التيسير الكمي» أو «الإنعاش النقدي»، خصوصاً إذا كانت الأموال تأتي من طباعة نقود إضافية وليس من أموال موجودة في خزانة المصرف المركزي. والهدف الرئيس من هذه العملية، ان الأسعار المنخفضة للفائدة والاضطرابات المالية لا يمكن ان تقنع المصارف بالتخلي عن السندات الحكومية وإقراض المستهلكين والمنتجين إلا بتغيير المعادلة فيصبح التخلص من السندات وإقراض الأفراد والشركات أمراً مغرياً، ويحصل ذلك عن طريق الإنعاش النقدي. باختصار، الهدف هو تشجيع الإقراض، الأمر الذي يرفع مستويات الاستهلاك والاستثمار بما يزيد مستويات التشغيل، ويخفض من البطالة، ويعزز المداخيل، ويرفع معدلات النمو الاقتصادي.

وليس ثمة أي أثر لعملية الإنعاش النقدي في أسواق النفط في المديين المتوسط والبعيد، أما في المدى القريب، فالإنعاش النقدي لن يؤثر في موازين العرض والطلب، بل قد يؤدي إلى زيادة المضاربات، ما قد يرفع أسعار النفط. وقد يهدد هذا الارتفاع في أسعار النفط الانتعاش الاقتصادي في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، خصوصاً إذا فشلت عملية الإنعاش النقدي في تحقيق أهدافها.

ولا يتوقع الخبراء أن تؤثر الموجة الجديدة من الإنعاش النقدي في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في الشكل الذي تطمح إليه حكومة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبالتالي لن يتأثر الطلب على النفط، ولن تتغير موازين العرض والطلب. ويحتج هؤلاء الخبراء بفشل عملتي الإنعاش النقدي الأولى والثانية. ويرد البعض بأن الإنعاش النقدي نجح في تجنيب الاقتصاد الأميركي العودة إلى أحضان الكساد. وإذا كان هذا الرد صحيحاً، فهذا يعني ان الإنعاش النقدي منع الطلب على النفط من الهبوط في شكل كبير، وبالتالي منع أسعار النفط من الانهيار. وبناء على ذلك، قد تساهم عملية الإنعاش النقدي الثالثة في منع أسعار النفط من الاستمرار في الانخفاض، وبالتالي فإن لها أثراً في أسواق النفط.

وسبب زيادة المضاربات هو ان الإنعاش النقدي يخفض تكلفة النقود، الأمر الذي يشجع المضاربين على المخاطرة بالاستثمار بأموال مقترضة، وإضافة إلى ذلك يخفض الإنعاش النقدي قيمة الدولار، ما يشجع بعض المستثمرين على الاستثمار في عقود النفط الآجلة، لقناعاتهم بأن ثمة علاقة عكسية بين أسعار النفط وقيمة الدولار. لكن ماذا سيحدث لو انهارت اقتصادات أوروبية أو فشلت دول الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على مخرج من المأزق الذي تعانيه أوروبا حالياً؟ في هذه الحالة لن ينخفض الدولار في مقابل اليورو، مهما كان حجم الإنعاش النقدي، وبالتالي ستكون المضاربات في عقود النفط الآجلة أقل منها لو تحسن الوضع في أوروبا.

بغض النظر عما إذا تبنى مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي عملية إنعاش نقدي ثالثة أم لا، فالحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان ان النفط قام بدور المصرف المركزي وذلك بعملية إنعاش تقدر بحوالى 50 بليون دولار شهرياً بسبب انخفاض أسعاره خلال الشهرين الماضيين. وما يميز انخفاض أسعار النفط عن أي عملية إنعاش اقتصادي تقوم بها الحكومات أو المصارف المركزية، ان انخفاض أسعار النفط يؤثر مباشرة في مستهلكيه. وواضح ان لا حاجة إلى أي إنعاش نقدي إذا انخفضت أسعار النفط بنحو 10 دولارات عن مستوياتها الحالية. والمشكلة ان العوامل السياسية قد ترفع أسعار النفط في شكل يجبر المصرف المركزي على تبني الإنعاش النقدي كحل أخير.

خلاصة الأمر ان أي إنعاش نقدي في المستقبل لن يؤثر في أسواق النفط في شكل ملحوظ، لأنه لا يؤثر في موازين العرض والطلب، لكنه قد يرفع أسعار النفط في المدى القريب بسبب زيادة المضاربات وانخفاض قيمة الدولار. وفي المقابل، قد لا يكون أثر الإنعاش النقدي مرتبطاً برفع أسعار النفط، وإنما بمنعها من الانخفاض، وفي هذه الحالة سيكون للإنعاش النقدي دور كبير في أسواق النفط .