يعد قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ICT (Information and Communication Technology) من القطاعات المهمة والحيوية لأي دولة مدنية حديثة، ويراهن الخبراء ومستشرفي المستقبل على دوره الاستراتيجي المؤثر في تشكيل اقتصاديات القرن الحالي وصنع الفارق في التنمية المستدامة وتطور الشعوب و رفاهيتها.
والمتابع لتطور هذا القطاع المهم في المملكة العربية السعودية خلال العشر سنوات الماضية سيلاحظ القفزة الكبيرة في الخدمات وتنوعها وجودتها النسبية وكذلك انتشارها، مما انعكس على أسلوب حياتنا اليومية وسلوكياتنا الفردية والجماعية ، ولعل ذلك نتيجة للاهتمام الكبير و المتزايد بهذا القطاع من قبل الدولة وخططها التنموية بداية من تحرير سوق الاتصالات وتقنية المعلومات وخصخصته وإنشاء هيئة مستقلة تهتم بتنظيمه وضبط إيقاعاته، تبعه بعد ذلك إنشاء حقيبة وزارية تحوي أجندته في الاجتماع الاسبوعي لمجلس الوزراء ممثلة في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وقبل ذلك تكليف جمعية الحاسبات السعودية بعمل خطة وطنية إستراتيجية تبنتها الوزارة لاحقاً يتم على ضوءها سن الأنظمة والسياسات والمشاريع تمهيداً لـ "التحول إلى مجتمع معلوماتي، واقتصاد رقمي، لزيادة الإنتاجية، وتوفير خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات لكافة شرائح المجتمع، في جميع أنحاء البلاد، وبناء صناعة قوية في هذا القطاع لتصبح أحد المصادر الرئيسة للدخل" كثلاثة أهداف منشودة للرؤية المستقبلية لهذا القطاع كما ورد نصه في وثيقة "مشروع الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات: الرؤية لبناء مجتمع المعلومات – 1426هـ".
وإذا أمعن المتابع نظره في الواقع والمأمول من جهة، و في عامل الوقت من جهة أخرى، فسيلاحظ أن الجهود تكاد تكون متتالية وليست متوازية، وذلك بتوجيهها بشكل مركز لتحقيق الهدف الأول فقط (التحول لمجتمع معلوماتي) كأرضية صلبة يبنى عليها الهدفين الآخرين (اقتصاد رقمي، وبناء صناعة قوية) دون الاعتبار لعوامل الوقت و تهيؤ الفرصة و الدعم، و كذلك إمكانية تحقيق جميع الأهداف معاً وإن بنسب متفاوتة حتى لو كانت صغيرة ابتداءاً، وذلك بمواءمة الخطط و التنفيذ بحسب ما يُستقرأ و يُقاس من مستجدات و تغيرات في المعطيات والحقائق ذات الصلة. ففي الوقت الذي تقفز فيه دولاً أخرى قفزات كبيرة و ملحوظة في صناعة تقنية المعلومات و تصديرها وازدياد مساهمتها المباشرة والغير مباشرة في اقتصادياتها المحلية في زمن أقل بفضل توازي الخطط والمشاريع التقنية و المعرفية و تكاملها، لا زلنا وللأسف نزحف بخططنا الخمسية المتكررة بزعم تأسيس البنية التحتية و تكوين رأس المال البشري، في الوقت الذي لا يزال الانفاق الاستهلاكي لمنتجات هذه الصناعة في ازدياد نحو أرقام أكبر.
واقعياً وبالأرقام، يعد سوق الاتصالات و تقنية المعلومات السعودي أكبر أسواق هذا القطاع في منطقة الشرق الأوسط، كما يستحوذ على نسبة تزيد على 68% من حجم أسواق الخليج العربي. و تشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة إلى أن هناك أكثر من 13 مليون مستخدم للإنترنت في المملكة و ما يقارب لـ 54 مليون اشتراك في الاتصالات المتنقلة ما يعني أكبر نسبة انتشار لها في العالم بنسبة 188%. كما تشير هذه الاحصاءات إلى أن حجم الانفاق في هذا القطاع بلغ 83 مليار ريال سعودي في العام 2011م، ويمثّل الانفاق على تقنية المعلومات حوالي 30% من إجمالي حجم هذا المبلغ، ولاتزال التوقعات تتنبأ بزيادة الانفاق و نمو الطلب و الانتشار والجودة في السنوات القليلة القادمة في ظل المشاريع الحكومية لتطوير أعمالها و الخدمات المقدمة للمواطنين و قطاع الأعمال، و مشاريع المدن الاقتصادية و أودية التقنية، وكذلك مبادرات خدمة المناطق النائية، واستثمارات القطاع الخاص في الخدمات المتطورة الحديثة كخدمات النطاق العريض المتحركة والثابتة عن طريق شبكات الجيل الرابع و شبكات الألياف البصرية.
إن هذا الانفاق والنمو والانتشار الحالي لخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات والذي ساهم بشكل ملحوظ في الردم النسبي للفجوة التقنية في المدن الرئيسية والصغيرة، بالإضافة إلى مخرجات التعليم العالي من الجامعات والكليات السعودية و برامج الابتعاث الخارجي في التخصصات العامة والدقيقة لهندسة الاتصالات و تقنية المعلومات والتي توفر المعرفة ورأس المال البشري، وما يتوافر في السوق المحلي من خبرات و قيادات سعودية شابة و مؤهلة اكتسبت الخبرة العملية والمهارات الإدارية و التقنية المطلوبة، كل تلك الحقائق والمؤشرات تعلق الجرس أمام صانع القرار لاتخاذ مسار سريع و موزاي للخطط الخمسية لتقنية المعلومات للبدء في مبادرات و مشاريع كبيرة، حقيقية و جريئة، سواءاً حكومية أو من خلال الشراكة مع القطاع الخاص تستثمر ما تحقق من مكتسبات أوليّة، وأيضاً تطوير المناخ الاستثماري وتقديم التسهيلات المؤثرة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة و الفاعلة وليست الصورية أو الاستغلالية، وذلك لوضع اللبنات الأولى لبناء صناعة تقنية معلومات قوية و منتجة تنافس مثيلاتها العالمية، وتساهم في المستقبل القريب في رفد الاقتصاد الوطني كأحد المصادر الرئيسة الغير نفطية للدخل، أو على أقل تقدير تساهم في تقليل التكاليف والانفاق المحلي على منتجات هذه الصناعة خصوصاً ما يتعلق بالبرامج والأنظمة الآلية والخدمات والتي تعتمد بشكل أساسي على المعرفة و إبداع المتخصصين.
بحسب تقديرات هيئة الاتصالات و تقنية المعلومات؛ تقدر مساهمة قطاع الاتصالات في إجمالي الناتج المحلي لعام 2011م بحوالي 3% أي ما يقارب 63 مليار ريال سعودي، ولا أثر في تقديراتها – حسب ما أعلم- لأي مساهمة مباشرة لتقنية المعلومات، علماً بأن عوائد قطاع الاتصالات في معظهما تعد عوائد (تجارية) محلية وليست (إنتاجية). في المقابل، وفي بلد متقدم في صناعة تقنية المعلومات كالهند، كانت مساهمة عمليات قطاع تقنية المعلومات المصدَّرة للخارج فقط دون قطاع الاتصالات في إجمالي الناتج المحلي لعام 2011م ما يزيد على 221 مليار ريال سعودي، ما يعني أن هذه الصناعة واعدة متى ما تحقق لها المناخ المناسب للنمو و المنافسة.
يجب أن نبدأ الخطوات العملية و الجادة في طريق الانتقال و الخروج من نفق الاستهلاك كمستخدمين محترفين لتقنية المعلومات و التقنية بشكل عام إلى فضاء أرحب نتطلع فيه بآمالنا و جهودنا إلى (صناعتها) وانتاجها.
تسلم أخ عبدالله على التقرير، ومختصره: "تعلق الجرس أمام صانع القرار لاتخاذ مسار سريع و موزاي للخطط الخمسية لتقنية المعلومات للبدء في مبادرات و مشاريع كبيرة، حقيقية و جريئة، سواءاً حكومية أو من خلال الشراكة مع القطاع الخاص " وصانع القرار المقصود هي أجهزة الدولة الأخرى للاستفادة من تطور القطاع، وأحب أن أذكرك بأن أكبر خطأ تم ارتكابه هو دمج الاتصالات مع تقنية المعلومات في وزراة واحدة وهيئة واحده...والسبب جهل صانع القرار .
نتظر قلمك وفكرك حول الشهادات الاكاديمية الوهمية واثرها على المجتمع اقتصادياً او اجتماعياً او غيره