يتحدث بعضهم عن «السعر العادل للنفط»، لكن الواقع يشير إلى ان مفهوم السعر العادل مفهوم ضبابي يمكن ان يفسره كل على هواه. وتشير نظرة تاريخية إلى تصريحات وزراء «أوبك» خلال 40 سنة الماضية إلى ان وزراءها جميعاً استخدموا كلمة «عادل» أكثر من مرة في وصفهم لأسعار النفط، وبعضهم استخدمها أكثر من 50 مرة.
هذه العبارة التي يصعب تفسيرها تفقد معناها عندما يقول المسؤول عن سعر 25 دولاراً للبرميل إنه سعر عادل، ثم بعد أشهر يقول ان سعر 28 سعر عادل، ثم تتكرر العبارة مع كل سعر مرتفع، فالسعر كان عادلاً عندما كان 60 و70 و80 و90 و100 دولار للبرميل. وهناك مشكلة فلسفية في هذا التعبير: لم تأت هذه الجملة دفاعاً بعد اتهام، أو لمجرد الشعور بأن الدول المنتجة متهمة. فالعبارة موجهة إلى الدول المستهلكة بأن السعر الذي تتذمرون منه «عادل»، لكنها تعني ضمناً ان الدول المنتجة تتحكم بالسعر، وتعني ضمناً ان هناك شعوراً بأن الدول المنتجة متهمة ومضطرة إلى الدفاع عن ذاتها.
والحقيقة أنه لو توافر فكر عربي نفطي لما كانت هناك حاجة حتى إلى الدفاع عن الدول المنتجة. فالفكر النفطي السائد حالياً هو فكر غربي، صيغ في الدوائر السياسية الغربية، ثم تحول إلى مناهج دراسية وكتب وبحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه، وفجأة تحول إلى «قواعد علمية» يتبناها حتى العرب الذين درسوا في الغرب.
من قال ان ارتفاع أسعار النفط يؤثر في النمو الاقتصادي ومن صاغ هذه النظريات؟ من قال ان تكاليف إنتاج النفط لا تتعدى دولاراً أو دولارين؟ من الذي صاغ مفهوم «لعنة النفط» أو «نقمة النفط»؟ ومن قال ان القطاع الخاص يجب ان يملك الاحتياطات النفطية؟ ومن ابتدع تعبير «سلاح النفط»؟ ومن قال ان التأميم أمر سيّء والتخصيص أمر جيد؟ لست ضد أي من هذه الأفكار أو معه، بل أرى حاجة إلى فكر عربي نفطي ليحسم هذه الأمور، بما في ذلك مفهوم «السعر العادل» للنفط.
وفي ظل غياب فكر عربي نفطي، لا يسعنا إلا اللجوء إلى مفهوم «المصالح» والحديث عن «السعر الأمثل» بدلاً من «السعر العادل». والحقيقة ان كبرى الدول المنتجة للنفط تتحكم في أسواق النفط، في وقت تتحكم الدول العظمى في هذه الأسواق بطريقة أو بأخرى. وتؤثر الدول المستهلكة في أسواق النفط عن طريق الضرائب والقوانين البيئية المختلفة. وفي ظل هذا النسيج المعقد من العوامل السياسية والاقتصادية والبيئية والقانونية، تبقى مصالح كبار الدول المنتجة واضحة، وتتواءم إلى حد كبير مع مصالح الدول المستهلكة. هذا التواؤم في المصالح يفسره البعض على أنه مؤامرة، ويرون فيه تبعية الدول المنتجة للمستهلكة. وما كان لنظرية المؤامرة ان تنتشر في الشكل الذي نشهده لو كان لدينا فكر عربي نفطي.
تطمح كبرى الدول المنتجة للنفط إلى أمرين في وقت واحد: دخل واف ومستقر في المدى القصير، ومستمر في المدى الطويل. ولتحقيق هذين الهدفين في آنٍ يجب ان تكون أسعار النفط معتدلة فالأسعار المرتفعة تخفض الطلب في المدى الطويل ومن ثم أسعاره، ما يؤدي إلى ذبذبة شديدة في الأسعار، وتنتج عن هذا ذبذبة في إيرادات النفط، ومن ثم تقلبات اقتصادية في الدول النفطية، وربما سياسية.
أما الدول المستهلكة فإنها ترغب في الحصول على إمدادات مستمرة بأسعار مستقرة وهذا لا يتحقق إلا بوجود أسعار نفط معتدلة تضمن الاستثمار في صناعة النفط في شكل يؤمن الإمدادات المستقبلية ويخفف من ذبذبة الأسعار، وبالتالي من التقلبات الاقتصادية. وعلينا ان نتذكر ان كثيراً من المشاريع النفطية لم تكتمل في الماضي بسبب الذبذبة الكبيرة في أسعار النفط والتي أدت إلى وقف هذه المشاريع عند انخفاض الأسعار.
وإذا نظرنا إلى تفاصيل أكثر، نجد ان تعزيز مصالح كبار منتجي النفط يتطلب سعراً أمثل يضمن عائداً مجزياً على الثروة النفطية الناضبة، وإيرادات نفطية مستقرة، واستمرارية الطلب على النفط لأطول فترة ممكنة، واستقراراً سياسياً واجتماعياً في الدول المنتجة للنفط والمستهلكة له لأن القلاقل السياسية في الدول المستهلكة تخفض من الطلب على النفط، كما يضمن ان يكون النفط أحد مصادر الطاقة الأساسية في المستقبل.
ان أي سعر غير السعر الأمثل لا يضمن أياً من هذه الأمور. فالأسعار المنخفضة تؤدي إلى نتائج تتعارض مع كل الأمور الخمسة المذكورة سابقاً فهي إهدار لثروة وطنية ناضبة، وتزيد من ذبذبة الإيرادات، ولا تضمن استمرارية الطلب على النفط في المستقبل بسبب ردة فعل الدول المستهلكة سواء المتعلقة بتخفيض الواردات أو بفرض ضرائب عالية على النفط أو ارتفاع أسعار النفط في المستقبل، وتؤدي إلى مشكلات سياسية واجتماعية في الدول المنتجة، وتخنق مصادر الطاقة الأخرى اللازمة لمقابلة الطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل.
وليست الأسعار المرتفعة في صالح أحد لأنها أيضاً تتعارض مع الأمور الخمسة المذكورة سابقاً. فالعائد المجزي على النفط يتمثل في كمية الواردات التي يمكن ان يشتريها برميل النفط، وليس قيمته الاسمية بالدولار. فإذا كان برميل النفط قبل 10 سنوات يشتري زجاجة عطر فرنسية، فإنه مازال اليوم، على رغم الارتفاع في الأسعار، يشتري الزجاجة نفسها. فما فائدة ارتفاع أسعار النفط في هذه الحالة؟
ولا تضمن الأسعار المرتفعة إيرادات مستقرة بسبب انخفاض الطلب على النفط، ولا تضمن استمراريته في المستقبل. كما ان الأسعار المرتفعة تؤدي إلى قلاقل سياسية واجتماعية واقتصادية في الدول المستهلكة، وهذا ليس من صالح الدول المنتجة. كما ان الأسعار المرتفعة ستخفف من دور النفط من ضمن مصادر الطاقة المختلفة في المستقبل.
خلاصة القول ان السعر الأمثل مفيد للجميع، والوصول إليه يتطلب فكراً نفطياً عربياً ليقف في وجه التشويه الغربي لحقائق عالم النفط.
25 دولار السعر الامثل حتى يستطيع الاقتصاد الامريكي والاوربي ان ينهض من نكبته العميقة وازمته الممزمنه
ولهان مضيع موقع أراب آيدول... الأخ داخل خطأ!
دعوه فى مكامنه فهو محفوظ منذ مئات السنين
موضوع رائع جداً ومفيد واتفق معك اخي الكريم في كلامك،
سبحان الله ، كيف يقرأون فضلا عن ان يفهمون ، واحد يقول 750 دولار والاخر 25 دولار وكلهما يعبر عن وجهة نظر سياسيه لاعلاقه لها بالنفط ، يادكتور لايوجد لدينا فكر نفطي عربي ، والادق ان نقول لايوجد لدينا فكر عربي فى اى شئ ، جعلنا الاخرين يفكرون نيابة عنا ونحن نردد مايقولون ، ثم نتذمر من تصرفاتهم ونستخدم نظريه المؤامرة لتبرير فشلنا فى استخدام عقولنا ، لابد ان يكون لنا فكر مستقل حتى نضمن مصالحنا ،،، تحياتى لك ،،،
السعر العادل في هذه السنة 2012 هو 120 دولار وكل سنة لازم يرتفع اقل شيء 10 دولار لان البترول مادة غير متجددة يعني في عام 2015 هو 150 دولار ينبغي يعرف الغرب ان البترول الرخيص انتهى ويجب ان يتكيفوا على ذلك السييارات الامريكية كانت ب 20 الف ريال قبل 30 سنة الان ب 120 الف ريال
أحسنت يا ولد الخير كلام سليم ومنطقي اويدك وبشده
مسئولي النفط مثل وزراء البترول - في تصريحاتهم - ليسوا بحاجة لتعريف وشرح مصطلحات أو اسس basics هضموها لعقود من خلال ممارساتهم النفطية. ولذلك فالمضامين التي يحملونها ويقصدونها بمفهوم "السعر العادل" هي نفسها التي أوردها الكاتب تحت مفهوم "السعر الأمثل". الأمر الآخر منذ متى أصبح يتم تمييز وتصنيف الفكر أو العلوم الانسانية طبقا للقوميات؟ البشرية عبر الأزمنة والأمكنة تساعد في نمو الفكر والعلوم في مجال معين ، ولا أشك على الاطلاق بمساهمة العرب القوية في تطور الفكر النفطي من خلال عقود من التجربة والممارسة الفريدة. لدى العرب رؤيتهم المميزة وتجربتهم العميقة في صناعة النفط ولديهم فكر يساهم في تشكيل الفكر النفطي العالمي.
اخوانى الكرام اخى الكريم ولد الخير بنفس نظريتك فى السعر العادل للبترول اقول لقد كان سعر برميل البترول فى اعقاب حرب اكتوبر 73 حوالى 40 دولار يعنى لو الزيادة السنوية 10 دولار المفروض يزيد عن 400 دولار للبرميل الان...!! المشكلة ان البترول هو السلعة الوحيدة التى يحدد سعرها المشترى وليس البائع ..!! المسألة معقدة وهناك عوامل كثيرة تتدخل فى تحديد السعر واغلبها ليست فى يد البائع او المنتج وانما فى يد المشترى او الشركات النفضية العملاقة ..!! شكرا وللجميع تحياتى