خـيـرنا لـغـيـرنـا!!

09/04/2012 9
سليمان المنديل

إنه أمر غريب ومحير، أن يكون أكبر بندين في ميزانية الحكومة، هما بندا المقاولات، والتشغيل والصيانة، وهما في ذات الوقت، الأقل في نسبة السعودة (أي أن خيرنا يصب في مصلحة غيرنا!) كيف حدث، ويحدث ذلك حتى اليوم؟!

كيف حدث أنه كان هناك صندوق لدعم المقاولين قبل ثلاثين سنة، عندما كانت ميزانية نشاط المقاولات لا تعادل 10%، مما هي عليه اليوم؟ وكان لذلك الصندوق دور هام في تشجيع البنوك على التمويل، وتبني المقاولين الناشئين؟ واليوم أوقف عمل ذلك الصندوق!!

نعم نشاط المقاولات، ومثله نشاط الصيانة والتشغيل، هما اليوم الأقل توظيفاً للسعوديين، ولكن لو درسنا وضع هذين القطاعين بتعمق، وقمنا بما هو مطلوب لجذب السعوديين لهما، فسنحصل على ذات النتائج التي حصلت عليها شركة أرامكو (عندما كانت أمريكية)، عندما وظفت سعوديين أميين، ثم دربتهم على قيادة الآلات المعقدة في ذلك الوقت، وأصبحوا عمالة ماهرة، وهامة في مجال التنقيب، واستخراج النفط.

ثم قامت أرامكو (الأمريكية) بالخطوة الجريئة، والعظيمة التالية، عندما رغبت في إيكال أعمال مساندة لها، إلى شركات تتعاقد معها، وقامت باختيار بعض النابغين من موظفيها السعوديين، ومنهم مع حفظ الألقاب، سليمان العليان، وعبد الهادي القحطاني، وعلي التميمي، وعبد الله فؤاد، وغيرهم، ودعمتهم، وهم اليوم من أكبر، وأنجح البيوتات السعودية العاملة في مجال المقاولات، وغيرها من الأنشطة. أي باختصار كانت لدى شركة أرامكو (الأمريكية) نظرة بعيدة، لكي تخفض التكاليف عليها، من خلال تطوير قدرات محلية، وبالتأكيد أن أرامكو لم تستخدم عقود الإذعان الموجودة اليوم في تعامل الحكومة مع قطاع المقاولين. وبالرغم من وجود نظام عالمي اسمه (فيديك) معروف، ومعترف به، ينظم العلاقة بين المقاول، وصاحب العمل، إلا أن وزارة المالية السعودية لا تعترف به!!

نتيجة للوضع الحالي فقد صرّح وزير النقل، بأن تعثر مشاريع الطرق هو بسبب نقص، وضعف قدرات المقاولين!! ونتيجة لذلك الوضع الغريب، أصبح كل مشروع جديد يرسى على عدد محدود من الشركات، فكيف يمكن أن نطور قطاع المقاولات في ظل هذه الظروف؟

المعروف هو إن هامش ربح المقاول قليل، ومن ثم فإن التشغيل المستمر لعمالته، وآلاته مهم، وإلا فإن كل ربحه قد يضيع في تمويل فترة انتظار الحصول على مستحقاته لدى الجهات الحكومية، وهو ما أدى إلى إفلاس الكثير، وحتى من تقدم إلى ديوان المظالم بشكوى، فديوان المظالم مثقل، وغير قادر على معالجة الأمور في الوقت الكافي، لإنقاذ المقاولين.

لدينا مشكلة حقيقية في نشاطي المقاولات، والتشغيل والصيانة، ولا أحد يبدو مهتماً بهما، لا وزارة البلديات، ولا النقل، ولا الإسكان، ولا المالية، ولا التخطيط، ولا الاقتصاد، في حين أن المطلوب هو النظر في وضع هذا القطاع، من قبل جميع تلك الأجهزة الحكومية، ومعها الغرف التجارية، لإنقاذ ذلك القطاع لغرض سعودته، والاستفادة منه، فهو في اقتصادنا لا يقل أهمية، وربما يزيد عن باقي القطاعات الأخرى (الصناعة، التجارة، الزراعة... إلخ).