鸹ߜ 纐ہ

03/04/2012 0
ساكسو بنك

تتوقع الأسواق أن يستمر تدخل البنك المركزي للأبد، ولا يعتقد المتعاملون فيها أن الأمر يستدعي القلق. لكننا من جانبنا نرى أن الأسواق ربما أساءت الفهم والتقدير تماماً

بقلم ستين ياكوبسن، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى ساكسو بنك

"عموماً، تتجسد مهارة الحكومة في أخذ أكبر قدر ممكن من المال من فريق من المواطنين، لإعطائه لفريق آخر" – فولتير

إذا قلنا إن الأعوام الأربعة الأخيرة التي مرت منذ تفجر الأزمة العالمية في العام 2008 تميزت بكونها غير عادية إلى حد ما، فإن هذا سيعدّ القول الأكثر إجحافاً خلال القرن؛ فقد طفقت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم تبحث عميقاً في جعبتها عن حلول لهذه الأزمة، فبدأت أولاً بخفض أسعار الفائدة إلى مستوى الصفر أو إلى مستوى يلامس الصفر فعلياً، ثم لجأت إلى "إجراءات غير تقليدية" تستهدف الحفاظ على معدلات الفائدة منخفضة في النهاية على المدى الطويل وذلك من خلال شراء أغلب السندات التي أصدرتها خزانة حكوماتها ذاتها. وهذه الممارسة الأخيرة كانت توصف منذ عقود مضت بأنها ليست سوى كمخطط "بونزي" للاحتيال المالي، ولكنها تسوّق في عالم اليوم باعتبارها "البديل الوحيد". هذا ما تنبأ به فولتير.

تقليدياً، ظل تدخل البنوك المركزية يقتصر على التحكم في جزء من منحنى العائد، لفترات تبدأ من يوم واحد وربما تمتد لعام كامل. لكن الانخفاض الحاد الذي شهدته الأسهم والسندات بين عامي 2008/2009 وانعدام التوازن المالي الذي نتج عن طرح أكبر حزمة محفزات مالية في التاريخ أوجدا الحاجة إلى تأمين حد أدنى من "الأعمال المنظمة"، من خلال طرح سيولة مناسبة بمعدلات فائدة منخفضة. وعقب تلك الخطوة انطلقت حملة دعاية من جانب مسؤولي البنوك المركزية وصناع السياسات مفادها: "صدقونا، كل شيء تحت السيطرة". من المؤكد أن هذا هو ما فعلتموه! فمنذ ذلك الحين، ونحن نتنقل من مشكلة مالية إلى أخرى، وها نحن الآن قد وقعنا في شرك دين جعل الحكومات والبنوك دون رأسمال تقريباً، ودون أن تتاح لها إمكانية الحصول على تسهيلات ائتمانية وقروض إضافية إلا إذا تكرّم البنك المركزي ووافق على ذلك.

والآن تلتهم الحكومات والبنوك التجارية في العالم الجزء الأكبر من "كعكة الائتمان" المتاحة، حتى إن القطاع الخاص أصبح لا يجد إلا الفتات. وبذلك، أصبح القطاع الخاص، الذي كان تقليدياً الطرف الأكثر تحملاً للمخاطر والأعلى ربحية في الاقتصاد، محروماً من مصدر حياته، وهو الائتمان. لقد تغلب الجانب الكلي من الاقتصاد على الجانب الجزئي منه، وهذا خطأ فادح ورهيب. وبينما يحتاج أصحاب المبادرات والمشاريع من الأفراد والشركات أقصى قدر من المرونة وتوفير رأس المال لهم وتمكينهم من التعرض للمخاطر، تم قطع هذه الموارد عنهم، وزادت الضرائب المفروضة عليهم، وكذلك الأنظمة المقيدة لنشاطاتهم.

وفي هذا العام 2012، شهدنا حتى الآن تطبيعاً تدريجياً لمعدلات الفائدة بعد إخراجها من إسار الانخفاض المفرط. والخطوة التي اتخذت هذا الشهر برفع أسعار الفائدة مجدداً لاقت ترحيباً كبيراً مقارنة بالماضي القريب، وقادت إلى الحديث عن تغيير أسس النمو وعن احتمال تحول الاقتصاد إلى الجانب الإيجابي (خاصة الاقتصاد الأميركي). لقد كنا إيجابيين في حديثنا عن الولايات المتحدة إبان الربع الأخير من عام 2011 حين رأينا أن التوقعات المجمع عليها بشأن النمو المستقبلي المتوقع كانت ضعيفة جداً (هل تذكرون قضية "الهبوط المزدوج"؟) والآن، مع نهاية الربع الأول من العام 2012، نجد، في رأينا، أن السوق تسرّعت في توقعها بأن تثمر خطوة "تعزيز الاستقرار" الأخيرة عن نمو طويل الأمد. فالوقت ما يزال مبكراً لذلك، وها هي مؤشراتنا الاستشرافية تكشف عن دلائل على حدوث تباطؤ محتمل في الاقتصاد، وعليه، نعتقد أن الولايات المتحدة سيظل بإمكانها تجاوز معدلات أداء البلدان الأخرى خلال العام 2012، لكن السبب الوحيد لذلك هو أن كل الاقتصادات الأخرى ستكون أكثر ضعفاً، وليس لأن اقتصاد الولايات المتحدة سيتحسن فعلياً.

ويتبقى معنا لغز الارتفاع الحاد الأخير في أسعار الفائدة: فهل دارت عجلة الفائدة دورتها ووصلت إلى القعر لتعاود الصعود بسرعة؟ هل هذا هو آخر "معدل طبيعي جديد"، أم هو مجرد جرعة من الارتداد المخادع؟ إن الحكومات والبنوك الضعيفة والشركات المثقلة بالديون تحتاج إلى معدلات فائدة منخفضة جداً لتواصل حمل وإدارة أعباء ديونها الهائلة، لذا فإن هذا السؤال عن معدلات الفائدة مهم جداً، خاصة وأن المسار المستقبلي لهذه المعدلات سيكون له تأثير بالغ على النمو المستقبلي وعلى مناخ الاستثمار.

بعد أخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، نطرح ثلاثة سيناريوهات والفرص التي نتصورها لاحتمال حدوث كل منها:

- أسعار فائدة أكثر انخفاضاً مع مزيد من الإجراءات غير التقليدية (الاحتمال: 60%) – استناداً إلى حركة التوسع النقدي اللانهائية. هذه هي معادلة زيادة المعروض النقدي، وهذا خيار يفضله السياسيون لأنه يمثل حلاً سهلاً خارج الميزانية، ويجعلهم "خارج نطاق المحاسبة وتحمل المسؤولية"، مع استمرار البنوك المركزية بطباعة النقود لإتاحة مخرج استثنائي لمالكي الديون السيادية وغيرها من الديون الكبيرة. وحيث إنهم أصحاب القرار، فهذا السيناريو يبدو الأكثر احتمالاً، وإذا نظرت إلى الجدول البياني المرفق، فستجد أنه خيار جذاب من حيث الاستمرارية: فمعدلات الفائدة التي تقل باستمرار تراها تسير في "مجرى" نازل كما هو موضح في الشكل. لكن، ألا تدرك الأسواق أن البنوك المركزية إنما تأخذ منحى غير تقليدي فقط عندما تكون هناك حالة ذعر فعلية وأسواق تنهار؟ خاصة في ضوء انعدام التوازن الهائل الذي تسببت فيه البنوك المركزية بالفعل؟ إضافة إلى ذلك، وبعد أن أتخمت البنوك النظام المالي عنوة بكثير من السيولة، فإنها تكون فعلياً قد ساعدت في إزالة عواقب المخاطر التي تقود إلى مثل هذه النتائج في المقام الأول.

- فائدة أقل ضمن السياق ولكنها الأقل من أي وقت مضى فعلياً (الاحتمال: 30%، وهو السيناريو المرجح لدينا) – إن أسعار الفائدة التي شهدت هبوطاً تاريخياً مع طرح "الإجراءات غير التقليدية" تحتاج إلى إعادة رفعها ببطء. لطالما كان الخطأ الأكبر في السياسة المالية تاريخياً ودائماً هو استمرار البنوك المركزية في اتباع نمط التيسير النقدي المفرط لمدة طويلة جداً. فالسياسيون يصبحون أكثر ذعراً وتردداً بوضوح أمام السلاح النقدي لـ "الإجراءات غير التقليدية". وهناك أيضا المخاطر التي تقوم على قانون "النقد المخزون" مقابل "النقد المطروح". فقد طبع صانعو السياسات ما يزيد عن 3 تريلونات دولار أميركي عالمياً لتعويم السوق المالية والحكومات. وهذا يعني أنه لكي نحصل على تأثير إضافي للسيولة، فإن صافي أي عملية إصدار نقود إضافية لا بد أن يكون أكبر كثيراً من حيث القيمة الإسمية، ومع تضخم عبء الدين، فإن كل وحدة دين إضافية تعني انخفاضاً مستمراً في العائد على النمو. ومن هنا سيكون لعملية طباعة النقود تداعيات عميقة الأثر كما سنرى لاحقاً.

- الأزمة الثانية (الاحتمال: 10%) – هذه هي فكرتنا الرئيسية القديمة – ويتلخص هذا السيناريو في أن اللاعبين في السوق سيفقدون الأمل في الحكومة وفي قدرتها على دفع ديونها. وعلى نحو ما، فقد شهدنا بالفعل الدورة الثانية من الأزمة في اقتصادات هامشية في نادي منطقة اليورو المتوسطية، ولكنها لم تصل بعد إلى اقتصادات تحتل موضع القلب من منطقة اليورو مثل ألمانيا وفرنسا، ولم تتطرق قطعاً إلى اقتصادات المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، واليابان. هذا هو السيناريو الأقل احتمالاً، لكن إذا كسرنا الحد الأعلى لمجرى أسعار الفائدة في الجدول البياني أعلاه، فقد يقترب من نموذج جديد بالكامل لا يعود ممكناً فيه أن ننظر إلى النقد الذي تطبعه الحكومات دون رصيد فعلي كحل يمكن الاستمرار فيه.

إذا اتضح أن رأينا هو الصواب، وأن الاعتقاد السائد في السوق بأن "حزمة الإنقاذ التالية جاهزة في الانتظار دائماً" اعتقاد خاطئ، فإن التحول بعيداً عن الإجراءات غير التقليدية، مثل طباعة النقود بصورة لا نهائية، سيلعب دوراً رئيسياً في التغيير. إن البنوك والحكومات إنما تعتمد على إحساس مخادع بالأمن توجده معدلات الفائدة المنخفضة. والارتفاع الأخير في أسعار الفائدة ضئيل فعلياً من وجهة نظر تاريخية. فإن كنا سنشهد توسعاً في حالة تذبذب أسعار الفائدة في السوق باتجاه النهاية العليا في نطاق التداول الحالي على المدى الطويل – من 3.00% إلى 4.75% على سبيل المثال، فسيكون لهذا تأثير بالغ على أزمة الدين.

ويظل أصحاب المنازل تحت ضغط كبير في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وأي تحريك في أسعار الفائدة من أي حجم معقول كفيل بأن يجعل ملاييناً أخرى من هؤلاء الملاّك غير قادرة على الوفاء بمديونية منازلها. وهذا هو الأثر السلبي لشرك الدين، إنه عدم القدرة على خلق أية بيئة اقتصادية تسمح لنا بإخراج أنفسنا من مخاض خدمة الدين – وحسبك أن تنظر إلى اليابان. لقد ارتفعت أسواق الأسهم فيها – وسوق المنازل في عام 1989 – والآن بعد مرور أكثر من 22 عاماً على ذلك، انخفضت أسواق الأسهم بأكثر من 75% عن أعلى قمة وصلتها. هل تعتقد أن هذه ظاهرة شديدة السلبية بما يستبعد معه أن تنطبق على باقي دول العالم؟ ربما، ولكن خبرتي الطويلة في التداول والتجارة علمتني بعض الحقائق الراسخة. أولها: كل شيء قابل للارتداد – فما ارتفع شيء إلا وانخفض (لنتذكر أسواق الأسهم، وأسعار المنازل، وتدخل الدولة، وأي زيادات مفرطة من أي نوع). ولعل الأهم من ذلك، الحقيقة الثانية: وهي أننا لا نتعلم من التاريخ أبداً.