أمضى المتعاملون في السلع الأسبوع الماضي يتأملون الموقف المستمر في ظل العوامل المتعارضة التي تجذب السوق في كلا الاتجاهين.
ويقال إن سوق الأسهم الآن مسعّرة مع الأخذ في الاعتبار التفاؤل الشديد، وأن المشتقات الرئيسة يجب أن تتحسن كثيرا من أجل تلبية توقعات النمو في الإيرادات وإجمالي الناتج المحلي والأرباح. وقد كان الزخم بالغا في ظل أقوى انتعاش تشهده سوق الأسهم منذ سنة 1938، وهو ما يثبت أن السوق يمكنها أن تحقق مزيدا من الارتفاع، لكن ينبغي توخي الحذر في هذا الشأن، ولاسيما وقد فشلنا منذ أسبوعين في تحقيق ارتفاع كبير عن 1000 دولار أمريكي على مؤشر ستاندرد أند بورز 500.
وقد بدأت المخاوف من الانكماش تطفو إلى السطح، إذ سجلت الولايات المتحدة الأمريكية التراجع الأكثر حدة في مؤشر أسعار المستهلكين منذ 60 سنة. كما أن القلق بشأن التضخم المستقبلي سوف يظل حديث الكثيرين، لكن في الوقت الحالي، يتم نبذ هذا القلق أكثر فأكثر.
وقد فشل النفط الخام مرة ثانية في الوصول إلى ارتفاعات جديدة فوق مستوى 73 دولارا أمريكيا للبرميل، رغم الدعم الذي حصل عليه من ضعف سعر صرف الدولار الأمريكي والأنباء التي تقول بأن ألمانيا وفرنسا خرجتا من حالة الركود الاقتصادي في الربع الثاني من هذا العام. وقد انخفضت سوق الأسهم الصينية بنسبة 6.5 في المائة، وهي الآن عند مستوى أقل بنسبة 10 في المائة من أقصى ارتفاع بلغته مؤخرا. ويعد هذا أسوأ انخفاض تشهده سوق الأسهم الصينية منذ فبراير الماضي وقد جاء ذلك مع إعلان الصين بأن حزمة حوافزها الاقتصادية لن تكفي لمعادلة الأثر الاقتصادي المترتب على تراجع الصادرات.
في ظل هذه الظروف، أمضى النفط الخام الأسبوع الماضي مقيدا في نطاقه ليشهد بعض الضعف في وقت لاحق يوم الجمعة، وهو ما من شأنه أن يكون مؤشرا على حدوث مزيد من الضعف على المدى القريب. أما الشعور السائد فهو أنه حتى يوم الجمعة، كان لدى النفط الخام جميع المبررات السليمة التي تجعله يحقق ارتفاعات قياسية جديدة، لكن فشله في ذلك أجبر المتعاملين على إعادة تعديل أوضاعهم.
وقد جاء أداء عقود النفط الخام تسليم شهر سبتمبر أدنى من أداء عقد تسليم أكتوبر مع تداول الهامش فوق مستوى 2 دولار أمريكي. ومن الممكن أن يكون هذا هو التدوير الشهري للمراكز الطويلة فقط، ولكن أيضا الإمدادات الوفيرة سوف يكون لها أثر ونحن مقبلون على انتهاء عقد شهر سبتمبر في 20 أغسطس.
ومن منظور تقني، فإن النفط الخام تسليم شهر سبتمبر يجري تداوله ضمن نطاق بين 63.00 دولارا أمريكيا و72.60 دولارا أمريكيا للبرميل، علما بأن الانخفاض الذي حدث يوم الجمعة الماضية دون مستوى 68.70 دولارا أمريكيا للبرميل يشير إلى حالة جديدة من الضعف في اتجاه النهاية الصغرى لهذا النطاق. ودون ذلك المستوى، نجد أن الدعم شديد الأهمية عند مستوى 59.30 دولارا أمريكيا للبرميل من شهر يوليو ينبغي مراقبته عن كثب. ويبدو أن هناك سقفا لهذا الاتجاه الصعودي عند مستوى 72.60 دولارا أمريكيا للبرميل تعقبه ذروة 2009 عند 74.66 دولارا أمريكيا للبرميل.
وفي هذا السياق لابد أن نتناول بالذكر الغاز الطبيعي، حيث يتواصل ضغط البيع على شهر التسليم القريب. وقد وصلت هذا الأسبوع عقود هنري هاب (Henry Hub) الآجلة تسليم شهر سبتمبر إلى مستوى منخفض قياسي جديد، حيث انخفض تقريبا إلى مستوى 3.25 دولار أمريكي الذي بلغه لآخر مرة في أبريل 2008. ويتعرض النظام الأمريكي للضغوط حيث إن الطاقة التخزينية المتاحة بدأت تصل إلى غايتها نتيجة لعدم التوازن الحالي بين العرض والطلب.
وهذه في الواقع أنباء سيئة بالنسبة لصناديق الغاز الطبيعي المتداولة في البورصة التي تستثمر في المقام الأول في عقد شهر التسليم التالي، وتواجه حاليا تكاليف دائمة التزايد لتجديد المراكز في ضوء استمرار الكونتانجو في الاتساع. وفي الوقت الحالي، تقدر تكلفة التجديد المجمعة حتى نهاية العام بأكثر من 50 بالمائة، وهي نسبة على ما يبدو لا يمكن تعويضها من خلال انتعاش قوي إذا أخذنا في اعتبارنا العوامل السابقة.
ويبدو الذهب تابعا سلبيا للأحداث الخارجية التي يبدو أن الدولار الأمريكي هو مصدر إلهامها الرئيس. ولا تجد السوق عونا من جانب استمرار مركز المضاربة الطويل من خلال العقود الآجلة والصناديق المتداولة في البورصة، وهو السبب الذي جعل أي انتعاش مؤخرا يواجه بعمليات بيع مكثفة.
ويتحدد النطاق الخارجي بخطوط الاتجاه عند 926 دولارا أمريكيا للأوقية و977 دولارا أمريكيا للأوقية، في حين أن مستوى 943 دولارا أمريكيا للأوقية و963 دولارا أمريكيا للأوقية وفرا الدعم والمقاومة على مدى الأسبوع الماضي. وما لم نشهد انخفاضا مؤكدا دون مستوى 900 دولار أمريكي للأوقية، فإنني أشعر أن معظم المستثمرين يميلون إلى الاحتفاظ باستثماراتهم على خلفية المخاوف من حدوث تضخم في المستقبل.
ومن جهة أخرى، واصل النحاس ارتفاعه الذي دام شهرا كاملا خلال هذا الأسبوع، حيث حقق حتى الآن مكاسب تزيد على 100 في المائة في 2009. وقد استمر هذا الانتعاش رغم المخزونات التي تفيض بها المستودعات، إذ ارتفعت المخزونات في شانغهاي بنسبة 20 في المائة في هذا الأسبوع - وهي الزيادة الثالثة على التوالي - لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أغسطس 2007.
وقد استمد المعدن زخمه من عمليات الشراء الصينية، ومؤخرا من التحسن الذي شهدته البيانات الاقتصادية. فإذا أخذنا في اعتبارنا مستوى المخزونات المرتفع، فهناك الآن خطر متزايد وهو الانسحاب، والذي يمكن أن يدخل حيز التنفيذ عند حدوث انخفاض دون 271 دولارا أمريكيا للنحاس عالي الجودة تسليم شهر ديسمبر.
أما السلع الزراعية فكانت مدفوعة بفعل الأمور ذات الصلة بالطقس حول العالم. فالانتعاش المدهش في أسعار السكر توقف بعد تحرك بلا توقف حقق فيه زيادة بنسبة 28 في المائة. ومن المتحمل أن تكون بعض الأمطار التي سقطت في الهند على مدى الأيام القليلة الأخيرة قد حسّنت ما يمكن أن يكون لولا ذلك انعطاف نحو وضع ينذر بكارثة.
وفي الوقت نفسه، أدت الظروف الجوية المواتية في الولايات المتحدة الأمريكية ووفرة الإمدادات العالمية إلى دفع القمح إلى أقل مستوى له منذ ثلاث سنوات، وحتى فول الصويا، الذي كان السلعة الأفضل أداءً في الفترة الماضية، قد فقد قوته الدافعة وتعرض إلى ضغوط جني الأرباح.