يتزايد الحديث يوما بعد يوم عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة وأهمية دورها الاقتصادي. فهي تطرح كحل رئيسي وجوهري لعدد من المشكلات التي نعاني منها، وعلى رأسها البطالة وتوسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني.
ولذلك شهدنا في الأسبوع الماضي إقامة الملتقى السعودي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والذي طرح فيه عدد من المبادرات بهدف دعم هذا القطاع الحيوي. وتراوحت المبادرات بين إصدار نظام خاص بهذه المنشآت يحدد هويتها وطريقة التعامل معها، ونظام للنظر في تقييم وضعها الائتماني، وتوجه المصارف السعودية لرصد مبلغ يصل إلى 300 مليار ريال لتمويل هذه المشاريع على مدى السنوات الخمس القادمة، وأخيرا الإعلان عن برنامج تمويل حكومي لرأس المال الجريء. ولكن على الرغم من هذا الاهتمام المتصاعد إلا أن هذه المنشآت تعاني صعوبة في توفير التمويل اللازم لتمكينها من التحول إلى نماذج تجارية منتجة ورابحة.
وأهم هذه المبادرات، في نظري، هي برنامج تمويل رأس المال الجريء، فهذا النوع من التمويل يقدم لتمويل نماذج تجارية خلاقة أو ابتكارات علمية جديدة حتى يمكن تقديمها لأرض الواقع، أو حتى يمكن تقديمه لمنشآت يمنعها حجمها الصغير من الوصول إلى أسواق المال أو ترتيب القروض من المصارف التجارية. ويحقق رأس المال الجريء عوائده عادة عن طريق التخارج لاحقا في الطروحات الأولية بعلاوة إصدار تعوض المستثمر عن الفترة الطويلة اللازمة لازدهار المنشأة بالإضافة إلى تكلفة إخفاق بعض الاستثمارات الجريئة الأخرى.
إن دخول الحكومة ممثلة في وزارة المالية وصندوق التنمية الصناعية إلى مجال تمويل رأس المال الجريء سببه إحجام المؤسسات المالية القائمة عنه. فقد عملت هيئة سوق المال على تطوير آليات الطروحات الأولية وتنظيم مراحلها بشكل مستفيض استفاد منه العديد من أصحاب الشركات القائمة. كما قامت بتنظيم عمل مقدمي الخدمات المالية، ولكن هذه المؤسسات المالية ركزت في معظمها على تقديم خدمات الوساطة وترتيب القروض للشركات الكبيرة وصناديق الاستثمار العقاري. وبالتالي عملت شركات الوساطة المالية لتتغذى على الاقتصاد القائم بشكله الحالي، ولم تتوجه بوصلتها للابتكار ولعب دور الموجه لرؤوس الأموال إلى منافذ جديدة.
وسيعمل صندوق رأس المال الجريء على تخفيف احتقان السيولة الحاصل في الاقتصاد، والذي يغذي بدوره ارتفاع أسعار العقار. فهو سيخلق بدوره منشآت جديدة تدخل سوق الائتمان وبالتالي فرصا استثمارية ذات عوائد مجزية للسيولة المتنامية. وبالإضافة إلى خلق الوظائف، فإن رأس المال الجريء سيدعم المناخ الاستثماري في الابتكارات الجديدة، الأمر الذي يمكنه من تحويل دور الاقتصاد السعودي بشكل جذري من مجرد منتج مرجح للنفط، إلى دولة صناعية عظمى.