أشارت وزارة المالية في أحدث تقاريرها عن أوضاع المالية العامة إلى أن الميزانية قد حققت فائضاً يربو على 11.6 مليار دينار خلال الشهور الثمانية الأولى من السنة المالية 2012/2011 الحالية. يعني ذلك أن معدل الفائض الشهري يبلغ ما يقارب 1.5 مليار دينار. إن هذا الفائض، الذي لابد أن يضاف إلى الاحتياطي العام أو احتياطي الأجيال القادمة، يستلزم التوظيف الاستثماري الملائم. لكن هناك تساؤلات أثارها عدد من الاقتصاديين والمختصين ما إذا كانت الكويت قادرة على التعرف على الفرص الاستثمارية المناسبة أو الأدوات المواتية لتوظيف فوائضها المالية في ظل الركود الاقتصادي الراهن الذي يهيمن على الاقتصاديات الرئيسية في العالم.. ثم هناك من يطرح حول مدى جدوى إنتاج كميات كبيرة من النفط في الوقت الذي تكون فيه أسعار النفط مرتفعة أو معقولة، ولماذا لا تتم مراجعة استراتيجيات إنتاج النفط واعتماد خطة إنتاج تتوافق مع متطلبات الإنفاق الجاري والاستثماري؟ علماً بأن هناك الكثير من عناصر الهدر في الإنفاق العام.
لا شك أن الكويت تلتزم بقرارات منظمة الأوبك بشأن إنتاج النفط الخام والتصدير، كما أن هناك متطلبات البلدان المستهلكة التي لم تتمكن من ترشيد استهلاكها من النفط بشكل مواتٍ، كما أن الطلب على النفط مازال قوياً، خصوصاً من بلدان الاقتصادات الناشئة، مما يعني استمرار الضغط على البلدان المنتجة لزيادة الإنتاج، أو على الأقل الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية.
لكن لابد من مراجعة واقعية لمسألة الإنتاج وإعادة النظر في مشاريع رفع الإنتاج إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم.. يجب أن تتوافق سياسة الإنتاج مع متطلبات الإنفاق العام وتعزز القدرة الحكومية على ترشيد ذلك الإنفاق، الجاري والرأسمالي.
ليس بالضرورة أن يكون تحقيق الفائض أمراً حميداً، خصوصا عندما نعجز عن توفير أدوات الاستثمار المناسبة، وربما يكون الاحتفاظ بالنفط في باطن الأرض أكثر جدوى، وقد يساعد ذلك على حماية الحقول وتمديد عمر النفط فيها. يضاف إلى ذلك أن هناك تفاوتا في تقدير حجم الاحتياطي الطبيعي من النفط لدينا، مما يفرض أهمية إجراء مسح ودراسات للحقول والتأكيد من حجم الاحتياطي الفعلي للكويت.
لقد بلغت مخصصات الإنفاق العام في السنة المالية الحالية 2012/2011 ما يربو على 19 مليار دينار، وهي تزيد بنسبة تقدر بـ %20 عن حجم الإنفاق في ميزانية السنة المالية السابقة مما يتطلب التأمل في هذا النمو المرتفع في الإنفاق، خصوصاً في بنود الإنفاق الجاري.
يجب ألا تتعامل مع ارتفاع الأسعار بخفة، ومن ثم نرى أن أي زيادة في مخصصات الإنفاق مقدور عليها بفضل تحسن الإيرادات النفطية. ذلك بتقديري يمثل عجزاً في الرؤية الاستراتيجية وقصوراً في تحديد كيفية التعامل مع الثروة النفطية ومسائل المالية العامة والبحث عن إيرادات مساندة غير النفطية وتنويع القاعدة الاقتصادية وتوظيف إمكانات القطاع الخاص للتخفيف على إمكانات الدولة. ربما تكون هذه الطروحات غير مستساغة من السياسيين وغيرهم، ولكن لابد من إثارتها لحماية ثروتنا ومصالح أجيالنا الشابة.