رفع الدعم الحكومي لصالح الاقتصاد المنتج

24/12/2011 13
صلاح الدين خاشقجي

من المرتقب الإعلان عن الميزانية العامة للمملكة العربية السعودية، وسيرافقها كلمات مثل أضخم دخل وأكبر إنفاق حكومي كما هي فعلا. ولكن هل بالفعل يمكن استمرار هذه الوتيرة من الزيادة في الإنفاق الحكومي؟ فأعداد السكان في زيادة مستمرة، واحتياجاتهم المعيشية الأساسية تزداد بوتيرة أسرع. كل هذا مؤداه أن الإنفاق الحكومي سيستمر في التزايد بشكل مطرد، مع وجود مصدر دخل وحيد.

الترشيد من جهة يعد حلا لتقليص الفجوة الحاصلة بين الزيادة في عدد السكان وزيادة استهلاكهم من الموارد. فالنمو السكاني ما بين الأعوام 2004 و2010 بحسب مصلحة الإحصاءات وصل إلى 3.4% سنويا. في حين أن استهلاك المياه والكهرباء في نفس الفترة ازداد بوتيرة فاقت 7%، مما زاد من حصة الفرد من هذين المنتجين الحيويين، وأيضا زاد من كمية إهدارهما. وقد تحدث الأستاذ سعود الأحمد باستفاضة في صحيفة الشرق الأوسط حول موضوع ضرورة تخفيض تكلفة تحلية المياه وأبدى رأيه في كيفية تقليص الهدر المرافق لها عن طريق استحداث شرائح مختلفة للاستهلاك.

بهذه الطريقة سيتحمل المواطن جزءا كبيرا من المسؤولية، وبالتالي يخفف العبء على ميزانية الدولة. فبحسب الأرقام الحالية للاستهلاك في قطاعي الكهرباء والماء فقط، فإن الدولة بحاجة لاستثمارات لا تقل عن تريليون ريال على مدى العقدين القادمين، فقط لتلبية حاجة السكان المتنامية. بالطبع سيتضاءل الرقم حال توزيعه على عشرين ميزانية، ولكنه لن يتوقف في الزيادة، بل ستتحول أرقامه إلى تكاليف مفجعة خلال أعوام قليلة. كما أن هذا العبء لا يتحمله الإنفاق الحكومي فقط، بل يمتد حتى استهلاكنا المحلي من النفط الذي يتوقع أن يصل إلى 8 ملايين برميل يوميا خلال عقدين بحسب الرئيس التنفيذي لأرامكو.

إذن، فكما أن الطاقة النووية والمتجددة تشكلان جزءا من الحل لتخفيض استهلاكنا النفطي المحلي، فإن الترشيد وتسعير هذه السلع الرئيسية بتكلفة قريبة من تكلفتها الحقيقية سيساعدان على تقليص الفجوة بين النمو المرتفع على الطاقة والمياه والنمو في عدد السكان. فمن غير المعقول أن تكون تكلفة نقل البضائع من الدمام إلى جدة أرخص باستخدام الشاحنات عوضا عن النقل البحري بسبب الدعم الحكومي لسعر الديزل! ولذلك فإن تسعير المواد الاستهلاكية الأولية بتكلفتها الحقيقية سيخفض من الاستهلاك المصطنع الذي ينخفض كثيرا عن نقطة تعادل تقليص الدعم لكافة المواد الأولية الاستهلاكية، وخصوصا المحروقات، سيتيح للميزانية التركيز على الإنفاق المنتج. صحيح أن دخل المواطن سيتأثر سلبا برفع الدعم، ولكن هذا التأثير محدود بكمية استهلاكه التي ستتقلص حتميا مع ارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، فإن توجيه الإنفاق الحكومي إلى مشاريع منتجة سيساعد على خلق المزيد من الوظائف ورفع كفاءة الاقتصاد، مما سينعكس إيجابا على الدخل الحقيقي للمواطن. بهذه الطريقة تبدأ الميزانية العامة في الابتعاد تدريجيا عن الإنفاق الحكومي الريعي، ويتحول الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد منتج.