نفطنا لا يقدر بثمن

17/12/2011 7
صلاح الدين خاشقجي

استكمالا لحديثي عن المتغيرات الاقتصادية العالمية التي تواجه الاقتصاد السعودي، أخصص مقال اليوم لأهم ثروات الوطن، النفط. الحديث عن النفط ذو شجون، كونه مصدر الطاقة الأهم عالميا ومصدر الدخل الرئيس للسعودية. يوم الأربعاء الماضي اتفق أعضاء منظمة أوبك على رفع سقف إنتاجها إلى 30 مليون برميل يوميا. هذا سيتيح للسعودية أن تستمر باستخراج النفط بنفس المستويات العالية التي وصلت إليها بسبب توقف الإنتاج الليبي، حتى وإن عادت ليبيا للإنتاج. الهدف من رفع سقف الإنتاج هو تهدئة أسعار النفط المرتفعة التي تخطت المائة دولار للبرميل، بما يتيح للاقتصاد العالمي التعافي من أزمته الاقتصادية المستمرة.

لا أعارض فكرة تهدئة أسعار النفط لصالح التعافي العالمي، ولكن تحمل السعودية للنصيب الأكبر من الإنتاج المستهدف يعد هدرا لثروتنا. فالأسعار لا تنخفض إلا عندما يفوق الإنتاج العالمي الاستهلاك العالمي، وتبدأ الدول المتقدمة بزيادة مخزونها الاستراتيجي من النفط. وفي حين تتوقع مؤسسات اقتصادية عديدة، منها مجموعة البنك الدولي، أن يصل سعر النفط إلى أكثر من 150$ قبل نهاية هذا العقد، فإن نتيجة الإنتاج المرتفع ستكون ملئ خزانات الدول المتقدمة بأسعار أقل على حساب الأجيال المقبلة. عندما أمر الملك عبد الله بن عبدالعزيز بوقف التنقيب عن النفط والاحتفاظ بالمخزون الغير مكتشف في باطن الأرض للأجيال القادمة، ودعا للبترول بطول العمر، فبالتأكيد لم يكن يهدف لاستنزاف المخزون المثبت الحالي.

مع صعود مصادر بديلة للطاقة والنفط التقليدي، فإن مهمة السعودية تبدو أصعب في المستقبل لضمان استقرار الطلب على نفطها. ولذلك فإن معضلة النفط تشكل مثلثا دقيق التوازن، بين التدفقات النقدية وأمن الطاقة ونمو الاقتصاد العالمي. فإيجاد مصادر دخل أخرى، حتى وإن كانت في نفس مجال تصدير الطاقة، يخفف العبء الذي يتحمله النفط في تلبية الإنفاق الحكومي. بالإضافة إلى ذلك فإن توسيع الصناعات البتروكيماوية، كما في مبادرة صدارة، يشكل ضمانة للمستقبل مخزوننا النفطي. وهي بالتالي تساعد على حل معضلات أخرى مثل البطالة من خلال خلقها للمزيد من الوظائف. أما آخر نقطة في المثلث، فإن استنزاف مخزوننا النفطي سيجعل الاقتصاد السعودي عرضة لما تمر به دول العالم المتقدمة من مخاوف حول مدى قدرتها على توفير الطاقة اللازمة لشعوبها واقتصادها.

كما يهدد استمرار الإنتاج بمعدلات مرتفعة مخزوننا النفطي، فإنها تضعنا أمام مشكلة أخرى وهي زيادة التدفقات النقدية عن الحاجة. ففي عالم تقترب فيه الفائدة على الاستثمارات "شبه الآمنة" من الصفر، فإن الأموال الفائضة لن تجد استثمارات تعوض الفرق بين سعر بيع اليوم وسعر البيع المستقبلي. تعافي الاقتصاد العالمي يجب أن يكون عملا جماعيا تتحمل فيه كل الدول الدور والعبء المنوط بها.