«فليكن يوجد ذهب أسود.. فكان البترول» هذه العبارة ترجمة (مع بعض التصرف) لعنوان المقال الأكثر إثارة للجدل الدائر الآن في أوساط المختصّين بشؤون البترول في شتى أنحاء العالم.
لقد فجّر المقال الذي كتبه مؤخرا الباحث المخضرم دانيال يرقن Daniel Yergin يوم السبت (عيد اليهود) بتاريخ 17 سبتمبر 2011 في جريدة Wall Street بعنوان: «There will be oil» ضجة كبيرة (أقرب الى الاستهجان) بسبب ثلاثة عوامل:
أولا: لأن عنوان المقال مقتبس من سفر التكوين في الأناجيل القديمة عن بداية الخلق بأن الرب (GOD) بعد أن خلق السماء والأرض والمياه ووجدها ظلاما دامسا لا تصلح للحياة قال الرب: ليكن يوجد نور، فوجد النور ( let there be light, and there was light).
ثانيا: لأن اسم المؤلف Daniel هو اسم دانياّل مفسّر أحلام الملوك وصاحب التنبؤات بما سيحدث في المستقبل والمتحدّث الرسمي في كتب التراث العقائدي لليهود.
ثالثا: وهذا العامل هو العامل الوحيد من العوامل الثلاثة الذي يهمني مناقشته في زاويتي السبتية اليوم وهو أيضا سبب استهجاني لمقال دانياّل لأن دانياّل رغم خبرته الطويلة ( وقد حضرت شخصيا بعض ورش العمل الجانبية التي كان يعقدها مع المنظمات غير الحكومية خلال مؤتمرات المناخ) يكاد ينفي في مقاله ذروة هابرت كنق المعروفة باسم Peak oil (ذروة البترول).
قد يكون دانيال أصاب في تشبيه دور البترول بالنسبة للاقتصاد الحديث بدور النور في بداية الخلق فتحوّل الإقتصاد العالمي من الظلام (التخلف والبدائية) الى النور (التقدم والتقنية)، ولكن - بالتأكيد - ان دانياّل أخطأ في فهمه (أو بالأحرى في تفسيره) لمفهوم ذروة البترول.
يجب ان أعترف (حتى لا يتهمني أحد بأنني سارق لجهود الغير) أن عنوان مقالي هذا (الذي تقرؤونه الآن) هو اقتباس شبه حرفي من عنوان مقال كتبه جون ديلي John Daly بتاريخ 19 سبتمبر 2011 في نشرة Oil Price بعنوان: Daniel and peak oil – Prophet or mere Historian? (دانياّل وذروة البترول – هل هو مستشرف أو مجرد مؤرّخ).
يفتتح دانيال مقاله بالقول انه على مدى عدة عقود كان المؤيدون لذروة البترول يتنبؤون خلالها باقتراب حدوث أزمات في امدادات البترول وفي كل مرة يخطئون. ثم يستطرد قائلا: لقد كانوا يتنبأون بان تاريخ الوصول الى الذروة هو عام 2005 ثم أصبح عام 2007 ثم تأجّل الى عام 2011 والآن يقولون في أي عام لا يتجاوز حلول العام 2020.
يقول دانيال في مقاله ساخرا من مؤيدي نظرية الذروة بأنهم من البساطة الى درجة انهم يعتقدون انه بمجرد استخراج نصف كمية البترول الموجودة تحت الأرض سيبدأ الاستخراج في الانحدارالسريع. ثم يستعير عبارة يقول انها منسوبة للجيولوجي Colin Campbell (مؤسس جماعة اّسبو ASPO المختصة بدراسة ذروة البترول) بأنه قال: «ان نظرية الذروة بسيطة يستطيع ان يفهمها أي متعوّد على شرب العصير، حيث يبدأ الكأس مملوءا وينتهي فارغا، وكلما أسرع في الشرب كلما فرغ الكأس أسرع.
كذلك يقول دانيال ان هذه هي المرة الخامسة في التاريخ الحديث التي ينتشر فيها الخوف من نضوب البترول، فالمرة الاولى كانت حوالي عام 1880 عندما كان انتاج البترول مقتصرا على بنسلفانيا وكان يقال بأنه لا يوجد بترول غرب المسيسيبي، لكن تم اكتشاف البترول في تكساس واكلاهوما. ثم أثير الخوف مرتين عقب كل حرب من الحربين العالميتين الأولى والثانية. ثم أثير الخوف مرة رابعة خلال السبعينيات (الأعوام 1970 - 1980)، ولكن - بدلا من ان ينخفض - زاد الاحتياطي فجأة بمقدار 30% عام 1988. ثم أخيرا ببداية القرن الحالي يقول دانيال بدأ التخويف من الذروة، بينما في الواقع تم إضافة 1.6 برميل الى الاحتياطي مقابل كل برميل واحد تم انتاجه خلال الأعوام 2005 - 2007.
الشيء الذي يجعلني أهتم بالموضوع هو أن البعض لدينا يتأثرون بآراء المشاهير أمثال دانيال فيصدقون ان البترول الرّخيص لن ينضب وان ذروة البترول هي مجرد أسطورة عفا عليها الزمن يروّج لها جماعة اّسبووالمطبلون لهم (على حد تعبير - للأسف - أحد حملة حرف الدال لدينا).
في زاوية السبت القادم - إن شاء الله - سنحاول ذكر بعض الأساسيات (او البدهيّات العلمية) التي أغفلها دانيال في مقاله.
قال تعالى (وخلقنا من الماء كل شي حي )..وا لبترول يشعل مصابيح الحياة في كل شي حولنا وربما فينا نحن البشر ..لذلك والله اعلم ان تكوين البترول مستمد من وجود الماء على الأرض فمتى ماتوقفت الأمطار سيتوقف البترول ..لن نصل للذروة بل سيقل انتاج البترول وهو حاصل بالفعل في بعض الدول واصبح استخراجة فيها مكلف !!
كل نعمه الى زوال
اعتقد ان الحكم على نظرية ذروة الانتاج يلزمه تأييد الكثير من دراسات المسح الجيولوجي بالاضافة الى حسابات التكلفة/العائد. مقتضى الحكم على وصول البترول الى الذروة يعني انك فعلا اكتشفت كل الامكانات النفطية في الارض. و لكن من ناحية اخرى فقد نضبت او قاربت على النضوب بعض المصادر العالمية المحترمة للنفط , كبحر الشمال .