ينقسم البيع في الفقه الإسلامي بالنسبة للبدلين – مثال للبدلين : بيع الخباز لرغيف الخبز مقابل المال من المشتري: البدلين هنا هما الخبز والمال- إلى أربعة أنواع، نذكر منها:
الأول ـ بيع المقايضة: وهو بيع العين بالعين، كبيع السلع بأمثالها، نحو بيع الثوب بالحنطة، وغيره.
الثاني ـ البيع المطلق: وهو بيع العين بالدين، نحو بيع السلع بالأثمان المطلقة: وهي الدراهم والدنانير، وبيعها بالفلوس الرائجة (وهي قطع معدنية او ارواق اصطلح الناس على أنها نقود صالحة للتعامل) وبالمكيل والموزون الموصوفين في الذمة، والعددي المتقارب الموصوف في الذمة -مثال البيع الموصوف في الذمة: كالبيع على مواقع التسوق الالكتروني حيث ان البائع يبيع منتجه وفقا للوصف والصور والمقاسات والمعلومات المتوفرة للمنتج-.
الثالث ـ الصرف: وهو بيع الدين بالدين، وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق: وهو الدراهم والدنانير، أو كل عملة نقدية رائجة في الأسواق – مثال بيع الدين بالدين: أن يكون للشخص دين -عند عادل مثلًا- فيبيعه على شخص آخر بالدين، أو يبيعه على عادل مرة اخرى مقابل مضاعفة الدين الأول.
الرابع ـ السلم: وهو بيع الدين بالعين، فإن المسلم فيه بمثابة المبيع وهو دين، ورأس المال بمثابة الثمن، وقد يكون عيناً، وقد يكون ديناً، ولكن يشترط قبضه قبل افتراق العاقدين عن المجلس، فيصير عيناً.
ولايشترط القبض في النوعين الأولين: وهما بيع المقايضة، والبيع المطلق أي العادي الغالب. ويشترط القبض في النوعين الأخيرين، ففي الصرف يشترط قبض البدلين، وفي السلم يشترط قبض أحد البدلين: وهو رأس المال حيث ان عدم قبض رأس المال في هذه الحالة قد يحيل المعاملة الى بيع العينة المنهي عنها وكمثال لذلك : أن نقول مثلا: هذه السيارة أبيعك إياها بألفي ريال و يكتب عليه لك ألفي ريال تحل بعد سنة، ثم تقول: أشتريها منك بألف ريال نقدا فتدفع له ألف ريال، وترجع إليك سيارتك ويبقى لك في ذمته ألفي ريال، وكأنك أعطيته ألفي ريال بألف ريال وصارت السيارة أو السلعة حيلة للربا.. أي ان المقصد هوا الحصول على ألف ريال حاليا مقابل دين يحل بعد سنة بقيمة ألفي ريال.
إن التاريخ الإنساني قد عرف نظام المقايضة من بدء المعاملات بين البشر، فعلى سبيل المثال قايض الإنسان قديما الملح مقابل السكر وقايض التمر مقابل العسل.. حيث يعرف نظام المقايضة بأنه نظام الصرف الذي يتم عبره تبادل البضائع أو الخدمات مباشرة بسلع أو خدمات أخرى دون استخدام وسيلة تبادل مثل المال وعادة ما يستبدل المال كوسيلة للتبادل في أوقات الأزمات النقدية، مثل عندما تكون العملة إما غير مستقرة (التضخم أو الانكماش) أو ببساطة غير متوفرة لإجراء التجارة، والمقصود بنظام المقايضة أيضا بأنه نظام يقوم على مبادلة شيء بشيء اخر فمن يملك شيئا لا يحتاجه ويريد شيئا بحوزة شخص اخر يقايض هذا الشخص..
وبالرغم من قدم هذا النظام، إلا أنه عاد للظهور في ثلاثينات القرن العشرين مع انهيار الاقتصاد العالمي حيث لجأ الناس للمقايضة للحصول على احتياجاتهم اليومية وأساسيات الحياة ويعاود الظهور حاليا بصور اكثر تطورا مثل ما يعرف بالاقتصاد التشاركي حيث هو نظام اقتصادي مستديم يقوم على مشاركة الأصول البشرية والمادية، ويشمل الإبداع والإنتاج والتوزيع والإتجار والاستهلاك التشاركي للبضائع والخدمات بين مختلف الأفراد والمنشأت التجارية ولعل ابرز صوره الحالية هي الشركات القائمة على الخدمات التشاركية مثل النقل والتمويل الجماعي ومساحات العمل المشتركة والسكن المشترك ايضا وغيرها من الصور..
وقد عرفت الدول ايضا نظام المقايضة فيما بينها فنجد ان جمهورية سريلانكا تخطط لتسوية ديون واردات نفطية سابقة من الجمهورة الإيرانية عن طريق تسديدها مقابل الشاي حيث ان سريلانكا تخطط لإرسال شاي بقيمة 5 ملايين دولار إلى إيران شهريًا من أجل سداد ديون بقيمة 251 مليون دولار والسبب في ذلك يعود الى ان سريلانكا تعاني أزمة ديون حادة وأزمة صرف عملات أجنبية، تفاقمت بسبب فقدان الدخل السياحي خلال جائحة "كوفيد-19".
وبالمثال الأخير على مقايضة الشاي مقابل النفط نجد بأن أركان عملية المقايضة التاريخية قد اجتمعت في العصر الحديث قد حيث وجدت: أزمة ديون وضعف في الروبية السريلانكية مصحوبة بنظام اقتصادي لا تتوفر فيه عملة لاجراء العمليات التجارية واحتياج الى نفط لتسيير عمليات الدولة مقابل صادرات ايرانية من النفط المعد للتصدير مصحوبا باحقية الحصول على المنفعة المطلوبة مثل العملة الاجنبية للجانب الايراني او الشاي في هذه الحالة والتي ستقوم اما باعادة بيعه داخلية او اعادة تصديره مع اكتساب الحق في اضافة اي ربح رأس مالي لعملية البيع مستقبلا.
وأخيرا، وكما ورد في انواع البيوع نجد بأن هذه الصورة "الشاي مقابل النفط" تندرج تحت بيع المقايضة: وهو بيع العين بالعين، كبيع السلع بأمثالها، نحو بيع الثوب بالحنطة، وغيره.
المراجع:
1- الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، الجزء السادس، دار الفكر المعاصر، 2009.
2- مع أزمة ديونها .. سريلانكا تستورد النفط مقابل الشاي، موقع أرقام، 2021/12/23.
3- Debt: the first 5,000 years, David Graeber, Melville House Publishing, 2011.
خاص_الفابيتا
مقال تثقيفي جميل ...........الان ياليت لو تبين الاصول الفقهية لقياس النقد على الذهب والفضة ....كيف يقاس النقد الحالي ( البنكنوت) وهي عملة تتنافص قيمتها بشكل مذهل مع الوقت مع الذهب والذي يحتفظ بقيمته ...اليس هذا هراءا محضا !!!