تفاقمت في الكويت ظاهرة الاضرابات في العديد من المؤسسات والدوائر الحكومية. ومما يلفت النظر أن هذه الاضرابات تجري في المؤسسات والدوائر الحكومية، التي اعتمدت لها كوادر وظيفية متميزة خلال السنوات والشهور الماضية، ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة تعبر عن مطالب عديدة، الكثير منها يعتبر مشروعاً، وكذلك تمثل هذه الظاهرة عجزاً من الادارة الحكومية في التعامل مع هذه القضايا في الوقت المناسب. لقد ظلت المطالبات والكوادر على جدول أعمال ديوان الخدمة المدنية لأمد طويل من دون مراجعة ومعالجة مناسبتين. كذلك ظهر التخبط في التعامل مع المطالبات الصادرة من جهات ومؤسسات حكومية متعددة، حيث تم اعتماد مطالب نقابات النفط من دون ابطاء وبشكل سخي، حيث أظهرت الموافقات اعتماد 65 زيادة في الرواتب والأجور، كمتوسط.
في مقابل ذلك، هناك تشدد في مواجهة مطالب جهات أخرى ينتهي الى موافقات على مضض حتى لا تتعطل الأعمال، كما حدث مع العاملين في مصلحة الجمارك. ولا شك أن الرواتب شبيهة بأجور منطقة الخليج العربي، أو على الأقل من أفضلها، وهي من دون شك تتميز على مستويات في بلدان عديدة، متقدمة أو نامية. وقد أدت الزيادات الأخيرة في الرواتب والأجور وغيرها من مزايا الى عزوف الكويتيين، الداخلين الى سوق العمل لأول مرة، عن الالتحاق بمؤسسات القطاع الخاص، الذي بات عاجزاً عن توفير مميزات تتواءم مع توقعات الكويتيين. هذا على الرغم من أن الدولة تكفل للعاملين في القطاع الخاص دعم عمالة لتحسين قدرة القطاع الخاص على توظيف المواطنين، وقد فرضت ضريبة دعم عمالة على الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية بمقدار 3 في المائة من الدخل الصافي، لكن ذلك لم يحفز الكثير من أفراد قوة العمل الوطنية للالتحاق بمؤسسات القطاع الخاص الا ما ندر، وفي وظائف محددة قد يكون المردود منها مجزيا، في القطاع المصرفي أو الاستثماري.
هناك الاقتصاديون ورجال الأعمال والمراقبون الذين أبدوا امتعاضهم من هذه الاضرابات العمالية واضرابات موظفي الدولة، حيث ذكروا أنها غير مستحقة، وأن الأوضاع المعيشية في الكويت جيدة وأن تعويضات العاملين مجزية، لكن على الرغم من وجاهة هذه الآراء ووجهات النظر فإن المطلوب هو قيام ديوان الخدمة المدنية باجراء دراسات لسلم الرواتب والأجور وقياس العدالة في تحديدها، حيث تتفاوت بين مؤسسات وأخرى.
وقد يثير البعض أن الرواتب والأجور لا يمكن أن تتساوى بين العاملين، حيث تختلف طبيعة أعمالهم، ويجب ألا يعامل التقني والطبيب والمهندس كالموظف الاداري محدود الاختصاصات، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن يكون هناك أساس صالح لتحسين الرواتب والأجور بموجب معايير الكفاءة وحسن الأداء والالتزام بالعمل وانجاز المسؤوليات، كما أن أنظمة الرواتب والأجور وكل أنظمة الخدمة المدنية وكوادر المؤسسات تتطلب مراجعات شاملة لتواكب المقاييس العصرية، في الوقت ذاته فان مشكلة التكاليف في مخصصات الرواتب والمزايا اللاحقة لها تنجم بشكل كبير من التوظيفات الضرورية التي تتكفل بها الدولة، نظراً لمحدودية فرص العمل في القطاع الخاص، وبذلك تتزايد أعداد العاملين في دوائر الدولة والمؤسسات التابعة من دون مبررات موضوعية.
وهكذا يتعين الشروع بعملية الاصلاح الاقتصادي الشامل، مما يؤدي الى تحميل القطاع الخاص مسؤوليته في توظيف المواطنين، وذلك لن يتأتى الا بتعزيز دور هذا القطاع واضطلاعه بأعمال وأنشطة مهمة مازالت الدولة تهيمن عليها، وحتى ينجز ذلك الاصلاح البنيوي فان الحكومة ستواجه الكثير من الصداع، والمطالبات التي سترضخ لها في نهاية المطاف ما دامت تتحمل مسؤولية جل الأعمال والأنشطة الاقتصادية.